والسنة، تكون به حضارة الكتاب والسنة ممثلة في رجال يغدون بين الناس ويروحون، ويغضبون ويرضون، ويتنازعون ويصطلحون، ويعيشون كاملة ممثلة لخلاصة الرحلة الطويلة العميقة في استنباط طريق للحياة الإنسانية الصحيحة، من الفطرة التي جعلها الله كامنة في الطبيعة البشرية، ومطوية في هذا التنزيل المعجز الذى جاء من عند الله، وهو "القرآن" وفي جوامع الكلم التي أويتها نبى الله صلى الله عليه وسلم مبينا عن كتاب الله ومفصلا لجمله وهو "الحديث". وهذه الفطرة هي التي ذكرها الله سبحانه في سورة الروم فقال: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].
فهذه القوة التي اشتملت عليها دعوة "السلفيين" كانت مصدرا لمخاوف "الاستعمار" و "التبشير"، فارادوا أن يقاوموا هذه الدعوة القليل عدد أصحابها، والذين هم مع قلتهم يصارعون جمهورا غالبا من "المبتدعة"، يؤيدهم إلف العامة، وهم الكثرة، ما عندهم من "البدع" المنكرة التي ينكرها "السلفيون" أشد الإنكار =فعمدوا إلى بث فكرة قريبة إلى النفوس، سريعة إليها، تؤيدها جميع الظواهر، وهى أن "السلفيين" قوم متشددون يريدون أن يرهقوا الناس بما لا طاقة لهم به من التكاليف. وهذه المهارة في إدارك الوسائل التي تقاوم بها الأفكار، كانت معروفة مدروسة في دوائر "الاستعمار" و "التبشير"، وإن كان كثير منا لا يزال غافلا عنها، غير قادر على إدارك المحيط الذى تستعمل فيه هذه الوسائل، وذلك لما طبعنا عليه المستعرون والمبشرون من التهاون والغفلة وقلة الصبر على جلاد الفكر ومعاناته، والتغلغل به إلى غاياته البعيدة المغرقة في البعد.
فمن معسكر الصراع بين الحضارة الغازية، وبين الحضارة الإسلامية أوبقاياها يومئذ، ظهرت كلمة "السلفيين" مقرونة بتبغيضها إلى العامة، وتصوريها في صور منكرة تكرها النفوس، لأنها تشق عليها. ثم بدأت الكلمة تدخل في محيط الصراع الاجتماعى، فمن أول ما أذكر من ذلك أن التالف الكرية المسمى "سلامة موسى"، صنيعة المبشر "ويلككس"، كان أكثر الناس استعمالا للفظ