"السلفيين"، (1) للدلالة على التأخير والتشدد والتخلف، في مقابل الدعوة التي أرسله يعوى من اصطنعوه. وليس هذا بموضوع تفصيل ذلك، وإنما أردت التاريخ وحده. وأظن أنى قرأت له ولغيره من شيعته، وكان زمانه كزماننا الذى فيه "أجاكس عوض" وشيعته من صبيان المبشرين، مقالات كان يستخدم فيها هذا اللفظ بهذا المعنى في نحو سنة 1992 أو 1923، أي بعد دخول ثورة سنة 1919، في انهيارها وانفصالها عن حقيقة الشعب الذى أشعل نارها، ثم أحرق هو بنارها ونار المستولين عليها غدرا وغشا، بلا سابقة شريفة في الصراع السياسى.
ولكن هذه اللفظة كانت شديدة على الألسنة، لا تلين بها كل اللين، فبعد قليل= ولا أدرى كيف كان ذلك، لن الأمر يعتمد على التتبع التاريخى للعبارات يوما يوما، وشعرا شهرا، كما أسلفت=بعد قليل رأينا لفظ "الرجعيين" يحل محل "السلفيين" فجأة , وهو لفظ سهل على لسان العامة وغير العامة، وإذا بنا نراه مستعملا على ألسنة ضرب من الكتاب أمثال التالف الغبى "سلامة موسى" من صبيان "التبشير" وسفهائه الذين يسافهون عنه، وعلى ألسنة أصحاب الصحف من نصارى لبنان المقيمين في مصر، والمستولين على صحافتها كلها يومئذ. ثم لم نلبث إلا قليلا حتى رأينا هذا اللفظ ينتقل للدلالة على الحياة الإسلامية كلها، واشتق له مصدر هو "الرجعية" يستعمله الكتاب إذا ارادوا التورية عن "الإسلام" تهربا من أن تنالهم تهمة الطعن في دين الدولة. واستشرى الأمر زمانا طويلا، فصار كل من أنكر شيئا على هذه الحضارة الأوربية المسيحية الوثنية، المقترنة بالغزو العسكرى والغزو السياسى لبلادنا، من أخلاق، أو فكر، أو عادة، أو طريقة للحياة (كما يقول توينبى)، صار ينبز بأنه "رجعى". وظل هذا هو معنى "رجعى" إلى نحو من سنة 1943، حين بدأت الحركة الشيوعية في الظهور، فاستخدمت اللفظ للدلالة على الأنظمة التي كانت تقاومها، لما فيها من الفساد والتعفن، وإن كان اللفظ
__________
(1) لا يزال تلميذه "لويس عوض" يستعمل هذا اللفظ حتى أيامنا هذه، بنفس الأسلوب الوقح الذى درج عليه أستاذه.