وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة: 256] فصار واجبا إذن أن يكون الكتاب والسنة متضمنين لأسلوب يهتدي به العقل عند الفصل في الأمور المشتبهة لأنه عن طريق هذا الكتاب وعن طريق هذه السنة التي جاءت بيانا عن مجمل الكتاب طولب ذوو العقول أن يعلموا علما لا شك فيه أن الكتاب الذي أنزل إليهم إنما أنزل بعلم الله وأنه هو كلامه سبحانه المفارق لكلام عباده من البشر وأن يعلموا أن هذا الرجل جاءهم بالكتاب من ربهم إنما هو رسول من الله أرسله إليهم لا ينطق عن هوي بل حديثه وحي يوحي إليه لكن يبين عن معاني الكتاب الذي أمر أن يقرأه على الناس على مكث غير مباح له أن يزيد فيه أو ينقص منه بل أمر بتبليغه إلي الناس بلفظه ونصه كما تلقاه من في جبريل عليه السلام.
***
ولما كان الهدي والضلال والحق والباطل والرشد والغي أمورا لا تحد كثرة وتشعبا وكانت وسائل التمييز بين مختلفاتها ينبغي أن تكون شاملة لأصول وثيقة محكمة على اختلافها وتباينها كان بينا بعد هذا أن الدين عندنا لابد أن يشتمل أيضا على الدلالة على هذه الأصول الصحيحة المحكمة التي يسترشد بها العقل في طريقه أي في التفكير والنظر والاستدلال وإذا كان ذلك كذلك كانت هذه الأصول الجوامع هي أيضا قضاء من الله ورسوله لا تختلف في وجوب إتباعها عن قضاء الشريعة وقضاء الآداب وقضاء العبادات وإذا كان التفكير والنظر والاستدلال لا يتم إلا عن طريق اللغة وألفاظها وتراكيبها كان لابد من اشتمال هذه الأصول الجوامع على دليل يهتدي به العقل عند التورط في المشكلة الكبرى التي تنشأ من تباين الأساليب التي يتم بها تركيب هذه الألفاظ طلبا للإبانة عن المعاني وهذا قريب الشبه جدا مما نسميه علم المنطق فصار بيننا أيضا أن الدين عندنا لابد له من أصول ضابطة للتفكير كأصول المنطق لا عن طريق النص بل عن طريق الاستنباط من نص القرآن ونص السنة ومن عند هذا الموضع المشكل الذي لا ينضبط انضباطا قضاء الشريعة وقضاء الآداب وقضاء العبادات أظنه والله أعلم