كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

وما أكاد أتوغل حتى أرس بين المشهدين فروقا عجيبة لم يكن يخطر لي أنها كائنة وأنا حيث أنا في مرقبتي من المنظر الأعلى!
هكذا أنا بين التفكير في الموضوع الذي أتهيأ له والإقبال على كتابة الموضوع الذي تهيأت له أراه مجتمعا واضحا قريبا سهل المسالك ممهدا ثم لا أكاد أحمل القلم وأمضي حق ينشق سهلة أحيانا من وعورة جارحة وأذهب أتعاطي ما كنت أراه قريبا فإذا هو أبعد بعدا مما أتوهم.
كذلك كان شأني حين بدأت أكتب المقالة السالفة كنت أتوهم أني سأفرغ من الموضوع كله في مقالة واحدة لأن معارف وجهه كانت عندي مستبينة كل الاستبانة وأنا أتهيأ له فلما دخلت إليه من حيث دخلت انصدعت معارفه عن مجاهل يضل فيها الدليل الحاذق وعن وعورة يعبي عليها السالك البصير وأقبلت أجمع أطرافه من هنا ومن ثم وأنا أكتب حتى لا ينتشر ويتبعثر فقد أريتني كأني بدأت في إنشاء كتاب قائم برأسه لا في إنشاء مقالة يتعجلها قارئها على عادة أهل زماننا في العجلة والعجلة شر خلق أخاف مغبته وأنا أكتب وأخاف أن أجد القارئ وقد استبدت به العجلة الداعية إلي الكلام فأجدني أداريه وأتلافاه بالصبر وضرب من الملاطفة وبشئ من المساهلة والمياسرة وربما عمدت إلي إدخال بعض الهزل في مواطن الجد لتأخذ النفس من خفة الباطل جماما تستعين به على معاناة الحق ولكني أخفقت حين مضيت في كتابة تلك المقالة فلم أستطع إلا أن أقبل بجد لا هزل فيه وكأني طالبت القارئ بتعب لا راحة معه وباناة في القراءة لا يشوبها طائف عن عجلة وأظنني سأفعل ذلك اليوم حتى يتسني لي أن أفرغ من هذا الكتاب الذي جاء في صورة مقالة والله المستعان على لأواء القلم وعلي الذي أعاني من هم الكتابة وأداء الأمانة.
***
وقبل كل شئ لنا صاحب بعيد الرضى، (1) مقبل على الدنيا بوجه واحد لا يلتفت يمينا ولا شمالا إذا نظر في شئ رأيته كأنه ينحط إلي أعماقه أو هكذا
__________
(1) هو صديقنا الأستاذ: الحساني حسنه عبد الله.

الصفحة 424