كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

يظن بفكر صارم صلد حديد فهو لذلك أكثر شئ جدلا إذا خاصم وهو إذا قرأ ما أكتب لم يعفني من جداله وإن لم يكشف لي عما في نفسه بيد أني لا أكاد أراه حتى أري الجدال قائما نافذا مطلا من أسارير وجهه وتجاليد جثمانه فإذا ما أردت استثارته ثار عن حشد حاشد من وجوه الاعتراض ومن التصميم الماضي على الاعتراض لا يبالي أن يمسك بتلابيبي ليرد فكري إلي فكره وليس عجيبا أني أجد متاعا لا يمل في أن أحس بقبضته وبلزه إذا ما لزني إلي مضيق رأيه وذلك لأني أجد لتعبيره عن نفسه نشوة تحملني على مقارعة حدته بحدتي ولا أزال ألم شعث الكلام المبعثر بيني وبينه فإما تراضينا واصطلحنا على شئ وإما تركته على غير رضي حتى يزداد جداله بينه وبين نفسه عراما وعنفا فلما قرأ المقالة السالفة زارني كعادته ولكني رأيت وجهه ينطف اعتراضا وجدالا أي يقطر وكأني عنده قد زدت لفظ الدين بابا من الغموض من حيث أردت البيان فمن أجل ذلك آثرت أن أوضح ما أردت في هذه الكلمة حتى نخرج من المأزق الذي أوقعتنا فيه اللغة كعادة كل لغة كما أسلفت في صدر مقالتي الماضية.
***
لفظ الدين عندما يطلق اليوم لا يكاد الناس يتوقفون في فهمه والمراد من معناه فهو عند أكثرهم ما يتضمن عبادات فئة من الناس يلتزمونها في أداء حق الله عليهم وما يتبع ذلك من رسوم يقيمونها في حياتهم ومن عقائد يتعقدونها في ربهم ومن أصول يؤمنون بها في نشأة الإنسان وفي حياته وفي معاده بعد الموت وانقضاء الحياة إلي أشياء كثيرة تتخلل ذلك من آداب ومعارف وإذن فمعني الدين هنا معني مركب من تفاصيل كثيرة جدا لكل قوم معني في تفصيله غير المعني الذي عند آخرين يخالفونهم فاليهودي يري أن الذي عنده من ذلك دين والنصراني يري أن الذي عنده من ذلك دين وكذلك المجوسي والبوذي وسائر أصحاب الملل يرون ما هم عليه دينا.
ولكن إذا عدنا فنظرنا وجدنا أن معني الدين عند أهل كل ملة معني مركب معقد أشد التعقيد = ووجدنا أن كل ملة تخالف صاحبتها في أكثر الأصول والتفاصيل في العقائد والعبادات. وإذن فمفهوم اللفظ عند كل منهم لابد أن يكون

الصفحة 425