مخالفا كل المخالفة لمفهومه عند من يخالفه في الملة وعسير جدا أن تجد بين أصحاب الملل إذا حققت تشابها في معني الدين بمعناه الجامع عند كل منهم ومن أدعي أم معني الدين واحد عند جميعهم فقد أبطل فإنه إذا كان معناه مفهومه واحدا لما كان هناك معني لاختلافهم وادعاء كل منهم أن الذي عند صاحبه باطل ولأوجب ذلك أن يكون جميعهم شركاء على السوية في الأصول والتفاصيل في العقائد والعبادات جميعا وإذا كان ذلك باطلا بيقين فلفظ الدين إذا أطلق لا يعني البتة شيئا إذا أريد التعبير عن معني جامع مركب وإنما تدخل الشبهة على السامعين والمتكلمين من الوقوف دون هذا المعني الجامع المركب الذي وصفناه أي من الوقوف عن معني الدين من حيث هو طريق عبادة سواء كان هذا الطريق صحيحا عند قوم باطلا عند آخرين أو كان عبادة لله الواحد القهار أو كان عبادة لغير الله من الأنداد والشركاء والأصنام والأوثان وسائر الضلالات التي انغمس فيها البشر.
وإذا كان غير المسلمين ممن يتكلمون العربية ويعبرون بها يسمون ما عندهم دينا على هذا الوجه فهل يصح عندنا نحن المسلمين أن نسمي ما هم عليه دينا وأن نفهم لفظ الدين بمعني غير المعني الجامع المركب الذي يدل عليه لفظ الدين عندنا هذا السؤال ينبغي أن يجاب عنه بجواب واضح لا لبس فيه ولا غموض ولكن ليس من ديننا أن نجيب على مثل هذا السؤال بلا احتجاج له بدليل يجب التسليم له والدليل عندنا هو كتاب الله وسنة رسوله ليس لنا أن نخالف عنهما ولا أن نبتدع من عند أنفسنا معني لم يبين لنا في كتابنا الذي أنزله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ولكن ينبغي قبل أن نصل إلي البيان عن ذلك أن نعيد ذكر المراحل التي مر بها لفظ الدين في اللغة قبل أن ينتهي إلي معني العبادة ثم إلي الجامع المركب المعقد الذي يطلقه أصحاب الملل على مللهم التي يتبعونها وليس هذا الذي نقوله في ذلك استيعابا واستقصاء وإرجاعا إلي الأصل الأول الذي يني عليه المعني فعسي أن يشق ذلك لأنه مطلب عسير جدا أن تخلص لفظ الدين مما تراكم عليه في مراحله مرحلة بعد مرحلة حتى تنتهي راجعا إلي ذلك الأصل الأول