كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

المجرد من التركيب ولذلك نعمد إلي أقرب المعاني إلي الأصل الأول ونعده بمنزلة الأصل المجرد من التركيب ثم نسلسله مرحلة بعد مرحلة.
استظهرت أن المعني الأول للفظ الدين أنه الحال التي يخضع لها الإنسان خضوعا طارئا أو مستمرا مريدا أو غير مريد.
* فإذا ألف المرء تلك الحال ودرب عليها ولزمها مرة بعد مرة خرج إلي معني العادة التي لا يكاد المرء يفارقها بل يأتيها كالمقسور عليها
* ثم جاءت المعاني تتراكم على لفظ الدين فداخله معني القسر والقهر من ذي سلطان لا يملك المرء خلافه
* ثم لحق بهذا معني الخضوع لذي السلطان بإرادة أو بلا إرادة خضوعا ظاهرا أو باطنا
* ثم أدرك ذلك معني الغلبة من ذي السلطان على من يخضع له حيث يكون الخضوع له عادة دائمة لا يكاد المرء يفكر في الخروج عليها
* فإذا ذلك قد جمع إلي معناها الطاعة ممن خضع للسلطان.
* ثم دخل على معني الغلبة من الغالب والطاعة من المطيع معني جديد مؤسس على هذه المعاني المتراكبة فإن صاحب السلطان يحاسب المطيع على طاعته والعاصي على عصيانه ويكافئ المطيع ويعاقب العاصي فصار معني الدين إلي الحساب والمجازاة على الأعمال التي يعملها كل منهم مما يرضي عليه ذو السلطان أو يسخطه.
* ولكل معني من هذه المعاني المتدرجة في التركيب ظلال ربما غلبت اللفظ على بعض معناه كاستعماله مثلا في معني الذل والاستعباد كقول الأعشي في ذكر ما كان من أمر المنذر بن الأسود في إخضاعه "الرِّبَاب" فقال:
هو دان الربابَ إذ كرهوا الد ... ين دِرَاكا بغزوة وصيالِ
ثم دانت بعد الربابُ وكانت ... كعَذابٍ عقوبةُ الأقوالِ

الصفحة 427