كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

أي أذل الرباب واستعبدهم فذلوا له
* أو كاستعمال الدين بمعني السياسة تقول دانهم إذا ولي سياستهم لأنه لا يسوسهم إلا بالطاعة له والخضوع
وإنما يوجب غلبة المعني الحادث على المعني التليد مكان استعماله في العبارة المركبة ثم يستقل بعد إذا غلب استعماله مرة بعد مرة حتى ينفرد فيكون معني مركبا يدل عليه اللفظ بمجرد ذكره في الجملة ويصير اللفظ بعد ذاك مشترك المعاني لابد لصاحب اللغة من أن يميز أي هذه المعاني المشتركة هو المراد في العبارة بلا غفلة عن المعاني الأخرى التي تتدأول اللفظ وتركبه.
***
وقد انتهي معني الدين إلي معني الخضوع لمعبود معظم لا يملك المرء خلافه ولا معصيته ولكن لما كان الخضوع لمعبود معظم قد احتاج إلي رسوم من العبادات والتكاليف وإلي أصول من العقائد في المعبود وإلي العقائد في نشأة هؤلاء العابدين ومكانهم من معبودهم وإلي ما ينالهم إذا أطاعوه وما يصيبهم عند معصيته وإلي شئ كثير جدا من التفاصيل في هذه العبادة صار جميع ذلك دينا لأنهم يخضعون له بالتسليم في أنفسهم وفي عقائدهم بل في جميع أحوالهم فكل من خضع لهذا المعبود وما توجبه عليه عبادته من تكاليف في العمل وفي الإيمان وفي سائر العقائد المتعلقة بمعبوده يفهم معني الدين مركبا من كل ذلك وإن كان لا ينفك يعرف أن أصل معناه راجع إلي طاعة هذا المعبود طاعة خاضعة تقربه إليه ينال بها رضاه ويتقي سخطه.
ولا يرتاب عاقل في أن كل عابد يتوجه بعبادته إلي معبود بما هو عنده دين لذلك المعبود فإنه إذا سمع لفظ دين أخذ مأخذ أهل ملته في إدراك معناه مركبا دون الاقتصار على معناه السابق قبل أن يلحقه تراكم المعاني المختلفة التي يألفها إذا ذكر أمر عبادته ومعبوده فأنت إذا قلت للنصراني الدين وأنت تخاطبه وأنت تعني الإسلام بأعماله وعقائده لم يفهم من مجرد اللفظ شيئا

الصفحة 428