كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

الكتاب (أي عدد قليل فروا إلي الصوامع بعد الاختلاف في كتابهم وبذلك خرج عامة أهل الكتابين). وقال الله لرسوله: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظانَ".
فكان أهل الكتاب يومئذ على ملة مبدلة من دين موسي وعيسي عليهما السلام وكان العرب يومئذ خاصة على إرث مبدل من الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام غلب عليهم الشرك بالله وعبادة الأوثان اتخذوها أنذادا يتقربون بعبادتهم إلي الله زلفي فيما كانوا يتوهمون وبعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم والعرب واليهود والنصارى جميعا في ملة الجاهلية فجاء بإبطال ما تدين به العرب وغير العرب من أصحاب الملل فلم أجده سبحانه وتعالي سمي شيئا من هذه الملل الجاهلية دينا في شئ من كتابه مع أنه جاء بمحاجتهم وإبطال دعواهم في آياته المكية والمدنية جميعا وفي المكي من التنزيل خاصة لم يسم ما جاء به من عند الله دينا بالمعني الذي يفهمه الناس اليوم ولا بالمعني الذي سوف يأتي ظاهرا في بعض آياته المدنية.
***
1 - وقد وجدت أن الله سبحانه قد أنزل في كتابه لفظ الدين معرفا مضافا إلي يوم في اثنتي عشرة آية من القرآن المنزل بمكة وهذه هي ترتيب النزول ما استطعت في سورة المدثر 46 ثم سورة الفاتحة وسورة ص 78 وسورة الواقعة 56 وسورة الشعراء 82 وسورة الحجر 35 وسورة الصافات 20 وسورة الذرايات 12 وسورة المعارج 26 وسورة الانفطار 15 17 18 وسورة المطففين 11 وذلك كقوله تعالى في سورة المدثر {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر: 46] وهو يوم المجازاة والحساب والثواب والعذاب بعد البعث من الموت وأفرده معرفا غير مضاف بهذا المعني نفسه في سورة الماعون 1 وسورة التين 7 وسورة الانفطار 9 كقوله في سورة الماعون {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} [الماعون: 1] أي بثواب الله وعقابه يوم القيامة فهذا هو المعني الأول الذي يراد من لفظ الدين في أول تنزيل القرآن وكان هذا مطابقا للحال التي كان العرب عليها يومئذ وكان عليها غير العرب أيضا من اليهود والنصارى وسائر الملل:

الصفحة 431