لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يونس: 105] وقوله تعالى في سورة الروم {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].
ولما كان ذلك قد جاء في صدد البراءة من الشرك واتخاذ الأنداد والشفعاء واعتقاد الولد لله سبحانه وإتباع الهوي بغير علم دل ذلك على أنه أراد إقامة المطيع وجهه خاشعا خاضعا لله وحده مستقيما على ذلك غير معوج إلي طاعة معوجة في يهودية أو نصرانية أو عبادة وثن.
ولما أخلاه من التعريف وأضافه إلي ياء المتكلم في الآية التي قبل الآية التي ذكرتها آنفا في سورة يونس جاء أيضا بهذا المعني وذلك قوله تعالى {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 104] أي إن كنتم في شك من طاعتي وخضوعي في العبادة فإني أفرد الله وحده بالعبادة دون ما تطيعونه في عبادتكم من الأوثان والأنداد والشركاء ودون ما يتوجه له بالطاعة والعبادة القوم الذين قالوا اتخذ الله ولذا من أهل الكتاب فهذا فرع فيه زيادة على المعني الثاني.
5 - ثم جاء الدين معرفا غير موصوف في موضعين من سورة الشورى 13، 21 وذلك قوله تعالى {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى: 13] ثم ذكر سبحانه بعقب هذه الآية تفرق الناس عن الدين الذي وصي به إبراهيم وموسي وعيسي واتباعهم أهواءهم ومحاجتهم في الله بحجة داحضة عند ربهم وتماريهم في الساعة والبعث ثم قال {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21] فدل هذا السياق على أنه أراد به الطاعة والخضوع لله سبحانه على وجه واحد من الطاعة والخضوع أمرهم أن يقيموا وجوههم عليه غير معوجين عنه ولا متفرقين فيه. فهذا حد لمعني الدين الذي هو الطاعة والخضوع وأنه واحد لم يختلف عليه الأنبياء جميعا،