كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

الواضح أنه أراد سلطان فرعون وقضاءه في السارقين لا شك فيه لأن يوسف كان نبيا على ما عليه آباؤه من الأنبياء لا على ملة فرعون وقومه فمحال أن يكون أراد بالدين الطاعة في العبادة.
9 - وأما قوله تعالى في سورة الكافرين وهي السورة الثالثة فيما نزل بمكة من القرآن {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6]، فإنه مما يشكل على بعض من لا يتوقف ويتأني فبيقين لا يسمي الله تعالي ما كان عليه المشركون من عبادة الأوثان دينا بالمعني الجامع الذي كانوا عليه في ملتهم هذه واحدة وبيقين أيضا لم يكن الأمر يومئذ قد اكتمل بيانه لرسول الله صلى الله عليه وسلم بل كان في أوله ليس عنده من الأمر شئ إلا أمر التوجه بالعبادة والخضوع والطاعة لله الواحد القهار دون الأصنام والأوثان التي جعلوها لله شركاء وتعبدوا لها لتقربهم إلي الله زلفي والسورة كلها في معني العبادة لا غير أي في معني الطاعة والخضوع دون سائر التفاصيل التي تتصل بالطاعة والخضوع من تكاليف وعقائد وأعمال وهو صلى الله عليه وسلم لم يدعهم إلي المتاركة فيدع لهم ملتهم التي هم عليها ويدعوا له ملته التي هو عليها ولو كان الأمر أمر متاركة لكان ضربا من الإقرار لما هم عليه ولم يكن لدعوته إياهم إلي اتباعه معني يعقل وإنما أمر أن يقول للكافرين {يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4)} [الكافرون: 1 - 4] فهو بهذه الآيات يبرأ أن يكون متوجها بطاعته وخضوعه إلي ما يتوجهون له بالطاعة والخضوع فهما ليسا سواء فهو يقيم وجهه بالطاعة والخضوع لله وحده سبحانه وهو يتوحهون إلي ما لا يعقل من أصنامهم وأوثانهم وإن زعموا أنهم إنما يتوجهون إليها ليتقربوا بها إلي الله فأمر صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم لكم سيرتكم التي سرتم عليها في التوجه للأصنام مع زعمكم أنها تقربكم إلي الله زلفي = وليّ سيرتي في التوجه إلي الله وحده سبحانه فأنتم بريئون بشرككم مما أعبد وأنا برئ مما تعبدون.
فالدين في هذا الموضع قريب المعني من السيرة والطريق وهو أخص في المعني مما مضي كله وكأنه معني رابع.
***
وإذن فلفظ الدين فيما نزل من القرآن بمكة، لا يحتمل غير هذه المعاني،

الصفحة 435