كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

فلم يسم الله تعالي شيئا من عبادة المشركين أو أهل الكتاب دينا بالمعني الجامع الذي أشرنا إليه ولم يسم الإسلام نفسه فيما نزل بمكة دينا بهذا المعني الجامع لأن جميع شرائع الإسلام لم يتم نزولها وقضاؤها إلا في المدينة بعد زمان طويل فمن ذلك أن تمام الصلاة أربعا على ما نحن عليه اليوم لم يتم إلا بعد شهر من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا وأقرت صلاة المسافر ركعتين كما كانت الصلاة في مكة والزكاة أيضا لم تتم فروضها إلا بعد الهجرة بزمان وصيام رمضان وزكاة الفطر إنما فرضا في شعبان على رأس ستة عشر شهرا من الهجرة ثم تتابعت أحكام الإسلام كلها بالمدينة بلا ريب في ذلك وإنما اقتصر الأمر بمكة على المحاجة في التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده سوي الصلاة المكتوبة قبل تمامها فترك الله تسمية ذلك دينا بالمعنب الجامع كما رأيت.
أما إذا جاء ذكر ما كان عليه أهل الكتاب وغيرهم من الأمم فإن الله شبحانه لم يذكره حين ذكرهم بلفظ الدين بل بلفظ الملة وذلك كالذي في سورة (ص) وذلك حينن ذكر الذين كفروا وتعجبهم من أن يجيئهم منذر منهم وقالوا هذا ساحر كذاب قال الله تعالي بعد ذلك يذكر مقالة الكافرين: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)} [ص: 5 - 7]، فالملة الآخرة هي النصرانية وهي لا تأبى أن تجعل لله ولدا كما قال الله تعالي في سورة المائدة {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72]، إلى آيات كثيرة في هذا المعنى كقوله للنصاري: {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [النساء: 171].
وسمي الله ما كان عليه قوم شعيب من الشرك ملة في سورة الأعراف 88 89 وكذلك سمي كل ضلالة كان عليها قوم ملة في سورة يوسف 37 38 وفي سورة الكهف 20 وفي سورة إبراهيم 13 مما نزل بمكة بل سمي الذي كان عليه إبراهيم وولده من الحق الذي لا اختلاف فيه "ملة"،

الصفحة 436