شيئا لأمرت من فوري بإبادة هذه الأداة الخبيثة وإلغاء استعمالها في المدرسة خاصة. والعجب لوزارة التربية والعليم كيف تبقي على هذا الوحش البشع الممقوت المدمر لنفوس النشء وقلوبهم، بلا مسوغ معقول. ولكن كيف نعجب، وناسنا قد ابتلوا بالتقليد، وإن كان التقليد لا يهدي إلي خير، بل لعله من أكبر الأدلة على سخف العقل!
هكذا أخذني أول البلاء. ثم زاد وربا حيت ساقُونا إلي الفصول كالقطيع صفوفا صفوفا. ولكن لم يلبث فزعي أن تبدد بعد أن دخلنا الفصل. واستقر بنا الجلوس. ثم بدأ الدرس الأول على الريق وهو درس اللغة الإنجليزية ونسيت كل ما نالني حين سمعت هذه الحروف الغربية النطق التي لم آلفها وفتنتني وغلبني الاهتمام بها وجعلت أسارع في ترديدها وحفظها اغتالت هذه الحروف الجديدة وكلماتها كل همتي اغتالتها بالفرح المشوب بطيش الطفولة. وكأن حب الجديد الذي لم آلفه قد بز حسن الانتباه إلي القديم الذي ألفته منذ ولدت فقل انتباهي إلي لغتي العربية ومضت الأيام ففتر انتباهي إليها بل لعلي استثقلتها يومئذ وكدت أنفر منها وكذلك صرت في العربية ضعيفا جدا لا أكاد أجتاز امتحانها إلا على عشر وعلي شفي وهكذا أنفذ دنلوب اللعين أول سهامه في قلبي من حيث لا أشعر ودرجت على ذلك أربع سنوات في التعليم الابتدائي والبلاء يطغي على عاما بعد عام ولكن كان من رحمة الله بي أن أدركتني ثورة مصر في سنة 1919 وأنا يومئذ في السنة الثالثة.
فلما كانت السنة الرابعة سقطت في امتحان الشهادة الابتدائية ولا ملحق لها يومئذ وأعدت السنة على مضض لأني كنت قويا (كما كنا نقول)، في الرياضة الخاصة، وفي سائر العلوم عامة سوي العربية. وصنع الله لي حيث سقطت وأحسن بي إذ ملأ قلبي من الدروس المستفادة المعادة واتسع الوقت فصرت حرا أذهب حيث يذهب إخوتي الكبار إلي الأزهر حيث أسمع خطب الثوار وأدخل رواق السنارية وغيره بلا حرج وفي هذا الرواق سمعت أول ما سمعت مطارحة الشعر وأنا لا أدري ما الشعر إلا قليلا وكتب الله لي الخير على يد أحد