كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

تسلكه في تعليم أبنائها وأن ينشئ جيلا مدمر الظاهر والباطن لا يستطيع أن يدرك حقيقة التلف الذي وقع في بنائه وتكوينه ثم يكون هذا الجيل نفسه هو الذي أعد لكي يتولي قيادة الأمة والتفكير لها والعمل على إصلاحها والنهوض بها وكذلك كان فمات لبقسيس المبشر دنلوب وبليت عظامه وبقي نظامه إلي اليوم قائما لم ننقض منه حرفا واحدا بل استشري وانتقل إلي كل بلاد العرب والمسلمين بفعلنا وبفعل أشباهنا نفذ فيهم ما نفذ فينا وقد أشرت إلي أول هدف كان يسعي إليه هذا النظام وهو أن يجعل الإنجليزية هي صاحبة السيادة في التعليم كله ويجعل لغة البلاد ولغة القرآن لغة أجنبية تدرس في غربة شديدة على نفوس الناشئة فلا يكاد يطول بها زمن حتي تكاد تصبح لغة غربية على أبنائها وأهلها وهكذا كان! (انظر ما سلف 204 وما قبلها ثم ص 187 - 194).
نعم أدركت الخطر الذي كان يهددني ويهدد بلادي فكان ذلك سببا من الأسباب التي فضت عن الكلمة العربية مغاليقها فتبلج لي سرها وجمالها ومع ذلك بقيت الكلمة الإنجليزية بمنزلة لم ينلها سوء من جراء هذه العداوة التي احتقبتها لأهلها الذين دمروني ودمروا أهلي وإخوتي ثم لم أعزم على رفضها وإنزالها المنزلة الدنيا في حياتي إلا بعد زمان طويل وتاريخ متداخل متطأول لا أجد مساغا لروايته الآن وعسي أن أفرده بالحديث عنه يوما ما وإن كان بعض ما كتبته في مقالاتي قديمًا وحديثا قد اشتمل على طرف دال على شئ من هذا التاريخ المتشابك المتعدد الوجوه ولئن كنت قد ألقيت عداوتي على لغات أعدائي فهجرت جميع ما تعلمته منها إلا قليلا فإن ذلك لم يمنعني أن أعرف عن طريق الكلمة العربية أن الحضارة كلها والثقافة كلها بعلومها وآدابها وفلسفتها عالة على الكلمة فولا الكلمة لما كان لشئ من ذلك كله وجود يعقل ومهما تبلغ عداوتي لعدو في ذات نفسه وفي لغته فإن ذلك لا يضلني عن الحقيقة التي أجد جهلها أو فقدان تصورها مفضيا إلي أكبر الفساد في العقل فالمرء لا يستطيع أن يعرف حقيقة عدوه إلا بعد تمام معرفته لحقيقة كلمته أي لغته وهو أيضا إذا ما وقع تحت سلطان كلمة عدوه فقد وقع في أسره الذي لا فكاك منه إلا أن يحتفظ بجذوة العداوة حية تتوقد. بيد أن هذه العداوة لا تقوم إلا بكلمة

الصفحة 449