كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

أخري تستطيع أن تمثل له عدوه على الوجه الذي ينبغي أن يتمثله عليه وتستطيع أيضا أن تنبري لسلطان كلمته فتنقضه ويبقي لها هي السلطان الأعلى ومعني ذلك أن تكون حضارة الكلمة وثقافتها وآدابها وفلسفتها قادرة في مد تاريخها الماضي وتاريخها الآتي على أن تقوم في وجه حضارة كلمة العدو وثقافته وآدابه وفلسفته.
***
وحسبي فإني أري القلم قد جرني إلي الإطالة من حيث كنت أريد الاختصار وغاية القول هو أني على ذلك كله لا أستطيع أن أحتمل العبث بشأن الكلمة سواء كان ذلك في عربيتي أو في لغة غير عربيتي ولا يحملني على التهاون في ذلك شئ من عداوة أضمرها لهذه اللغة وأصحابها ولا رفضي للاتجاه الذي تتجه إليه كلمة عدو أعاديه لأن الكلمة هي البيان والبيان هو نعمة الله الكبري التي أنعم بها على عباده من كل جنس ولون وكذلك علمنا ربنا سبحانه إذ قال {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} [الرحمن: 1 - 4] فمن استهان بالكلمة فقد استهان بأفضل آلاء الله على عباده وبالنعمة الكبري التي أخرجته من حد البهيمة العجماء إلي حد الإنسان الناطق.
وبين أني لا أعني بلفظ الكلمة مجرد الألفاظ ولا مجرد ما يقال أو يكتب فإن الأنسان كما تولي بالإفساد أشياء كثيرة مما سخر له وسلط عليه تولي أيضا إفساد الكلمة التي أوتي القدرة عليها فصرفها في وجوه كثيرة تحمل من الفساد قدرا عظيما وإنما أعني بالكلمة كل ما حرص الإنسان على تجويده وإحسانه وأعطاه حقه من الصدق والإشراق في أي باب كان من أبواب الإبانة وسواء عندي بعد ذلك أن تكون الكلمة بيانا عن شئ أرضاه أو أكرهه وأوافق عليه أو أخالفه وأعد حسنا يقال أو قبيحا يُعاف.
***
ثم أقول للقارئ: معذرة فإني ضربت بك في تيه طويل المدي لا أدري أترضاه أم تسخطه ولكني تعودت أحيانا أن أحمل القلم وأكتب لأعبر عن شئ

الصفحة 450