ولكن ما فطرت عليه من الثقة بحكمي على الآداب التي أطيل مدارستها والتدسس وراء ألفاظها جعلني قلقا إلي تمحيص هذا الأمر ولكني كنت قد انتهيت ونفضت يدي منذ قديم عن اليونان وغير اليونان محدثهم وقديمهم وهذا أمر يتطلب مني أن أعاود النظر في أشياء طرحتها على جانبي طريقي فترددت ولكني كنت أعلم أن أرسطوفان علم من أعلام البيان في لغته على الوجه الذي تدور عليه لغته وكنت أعلم أيضا ثقة بنفسي أن هذا الآدمي شرلتان متلف لا يعنيه إلا أن يزيد وجهه صلابة كلما زادت الحاجة إلي الحياء وأنه سوف يحدث في رمة الشيخ أرسطوفان ما أحدث في رمة شيخ المعرة وغيره من إهانة وتلويث.
فعز عليَّ هذا المسكين أرسطوفان أن يلقي البلاء على هذه الجمدانة المترنحة بخيلاء الزهو الفارغ فاستخرت الله وأقدمت على أن أجعل نفسي مدافعا عن أرسطوفان لانتسابه إلي الكلمة أي إلي البيان وإن كنت أنا لا أبالي بأرسطوفان في ذات نفسه ولذلك جهدت حتي أخذت نسخة من ترجمة هذا المسكين كما ألقيت على المسرح وقرأتها وعاودت قراءة أرسطوفان في ضفادعه بعد طول هجر في نفس التراجم التي ادعي هذا المدعي أنه ترجم عنها أو راجع عليها وهي ما ترجمه عن اليونانية جلبرت مري وهو الأصل الذي اعتمده ثم بنيامين بكلي روجرز ثم ثالث يقال له دافيد بارت. وكان من توفيق الله أني اطلعت أيضا على ترجمة الأستاذ محمد صقر خفاجة إلي العربية وهي التي أذيعت من محطة إذاعة القاهرة قبل وفاته وأخرجها الأستاذ نور الدين مصطفي للبرنامج الثاني. فرأيت عند ذلك عجبا رأيت حضرات المقرظين بمنزلة لا يحسدهم عليها أحد وإذا كانت رمة المسكين أرسطوفان قد عذبها هذا الشرلتان كما عذب من قبلها رمة شكسبير ورمة شلي بما كتب عنهما فإنه قد عذب حضرات المقرظين بعذاب بئيس لأنه أوقفهم على باب السرك ينادون الغادي والروائح حتي بحت أصواتهم ودخل الناس ممن خدع فإذا هو سرك أونطة كما كان يقال في بعض العامية.