كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

أليس كذلك؟ ونعود مرة أخرى فنسأل هذا الذي يبلغ قمة العلم في ثمان سنوات حتى لا يحتاج إلى عراقي أو شام من علماء أمته يكون بدء طلبه العلم في أول هذه السنوات الثمان ولا أظن أحد يقول نعم وهو يعقل معنى ما يقول وما يقال له إذن فلابد من أن يكون قضى في حفظ القرآن بقراءته وفي حفظ أصول اللغة وأصول النحو والصرف وفي تعلم مبادئ الفقه وأصول الفقه ومبادئ علم التوحيد والكلام والسير وعلوم الأدب من بيان وعروض وألم بأخبار أهل الجاهلية والإسلام وأيامهم ثم الشعر جاهلية وإسلامية = لابد من أن يكون قضى في ذلك كله حفظا ودراسة وتعلما وفهما خمس سنوات أو ست سنوات على الأقل فيكون جميع دراسته منذ عقل ثماني سنوات وخمس سنوات فتلك ثلاث عشرة سنة فطرح هذا من سنة 385 هـ فيكون ذلك سنة 372 هـ وهو في التاسعة من عمره لأنه ولد سنة 363 هـ فإذا شئنا أن نحدث في هذا التاريخ فجوة تصلح لتصحيح تصور خبر الراهب افترضنا أن بدأ حفظ القرآن ومبادئ العلوم وهو في السادسة من عمره فنضيف إليها خمس سنوات فهو إذن في الحادية عشرة من عمره سنة 374 هـ.
فمن هذين السؤالين نخرج بأنه لابد أن يكون رحل إلى طرابلس ما بين سنة 375 و 377 ولا يمكن أن يكون غير ذلك كان ليتفق أيضا مع خبر حضرة الراهب في أنه سمع منه كلاما من أوائل كلام الفلاسفة حصل به شكوك لم يكن عنده ما يدفعها به فعلق بخاطره ما حصل به بعض الإنحلال أليس كذلك بلى لأنه لا يمكن هذا الراهب الشادي أن يضلل رجلا قد فارق الصبا صبا العلم وأخذ في محكمه الذي يبلغ به بعد ثمان سنوات أن لا يحتاج إلى عراقي أو شام.
فإذا أقررنا لصاحب هذا الخبر بهذا كله بلا مناقشة في حقيقة ما يسمى عندنا علما ما هو وما هي مبادئه فلا مناص من أن نسأله سؤالا آخر أخرج هذا الفتى إلى طرابلس واجتاز باللاذقية ونزل دير الفاروس وهو أعمى ضرير قادر بغيره عاجز بنفسه خرج يطوي الأرض المخوفة التي يهددها بطش الروم كما يقول الدكتور لويس عوض وهو حجة في مثل هذه الأمور منفردا بلا قائد ولا دليل ولا رفيق؟

الصفحة 64