لم تزل منتشرة في كلام من سبقه ولحقه من قديم الآباد فهذا أيضا فضل له لا أجحده وإلا ظلمته ظلمتا مبينا وأن أكره الظلم ولا أرضاه ولا أعين عليه.
أما وقد برئت من ظلم المطروح جانبا لويس عوض فإني أعود إلى ما قطعني عنه إنتهاؤه مما سماه بحثا وهذه إحدى العاجيب لا أدري كيف تطيق اللغات أحيانا أن تخادع عقول الناس فاللعب ربما سمى اختراعا والجنون ربما سمى ذكاء والفجور ربما سمى جرأة والعبث ربما سمى بحثا بعض ما يحيرني في أمر اللغات اليوم نعم قد كان قديمًا شيء يقال له العقل يحول بين الناس وإساءة استعمال اللغة أما وقد ذهب العقل فمن لنا باختراع جدية يحمى لغات البشر من إساءة استعمالها خذا ما يحيرني ولزم التنويه كما قال لويس عوض.
وبعد فأهلا وسهلا براهب دير الفاروس فحديثه كله تفاريح ولكني أحب أن لا أغادر هذا الحديث حتى استصفى مادته واجعله مثلا لمن يريد أن يدراس الآدب على وجه صحيح لا تسوقه إليه حماقة أو تسرع فعلي أن خبر القفطي عن راهب دير الفاروس ليس سوى خبر لقيط سقط في كتابه رشدة أي كالولد الذي ليس له أب ينتمي إليه مع تناقض أجزائه واضطراب سياقه ومباينته للمعلوم بالضرورة من حياة شيخ المعرة ومن شعره أيضا ومع تبين بطلانه من وجوه كثيرة ذكرتها آنفا فهو أيضا خبر عليه توقيع ظاهر لمخمور تالف من علوج الشام وزواقيل الجزيرة وهم بقايا أغتنام الروم بالشام بعد الإسلام وذلك التوقيع هو ما في بعض عبارته من رطانة وطمطانية غير عربية ومع كل ذلك فنص الخبر يحمل الدليل القاطع على أن هذا المخمور التالف أذكى عقلا وأشد فطنة وأحسن خلقا ممن جعل هذا الخبر برهانا على تعلم شيخ المعرة من راهب دير الفاروس.
فهذا التالف يذكر أن أبا العلائء لما كبر وخرج من معرة النعمان قصد طرابلس فاجتاز باللاذقية ونزل دير الفاروس فهذه ألفاظ قليلة واضحة من أخذها بغير حقها غمضت عليه وأوقعته في الدهاريس وهي الدواهي