ثم رحل فإن أصل النزول في لغة العرب هو الهبوط والانحدار من علو إلى سفل تقول نزل الراكب عن دابته ونزل المطر ونزل في بئر وأمثال ذلك ولما كان المسافر البعيد الشقة أكثر ما يكون راكبا قالوا له إذا مر بمكان فأراد أن يريح دابته ويتزود لرحيله فحط به ساعة أو ليلة أو ثلاث ليال على الأكثر نزلا بالمكان أي نزل عن دابته ليريحها ثم يقيم للراحة قليلا ثم يرتحل وذلك الموضع الذي نزل له هو المنزل ومن أجل ذلك سموا الضيف الذي يمر بك ثم يرحل عنك غير مقيم النزيل وسموا ما تهيئه له من القرى النزل بضم النون وضم الظاي أو سكونها لأنه يقدم لمن ينزل بهم وأما الذي نسميه اليوم المنزل حيث نقيم نحن فإنما هو بالعربية البيت والدار هذه ثانية.
فهذان اللفظان اجتاز ونزل مجتمعين في جملة بالعطف أو منفردين لا يدلان البتة على إقامة طويلة بمكان إلا كحسوة الطائر في مسافة السفر فهي إقامة ساعة أو ساعات أو ليلة إلى ثلاث ليالي على الأكثر هذا كل ما تستطيع أن تطيقه اللغة وما يؤديه أصل الاشتقاق فمن فهم منهما غير ذلك فقد أساء وأهذر معاني الألفاظ وجهل حدود الكلام وخلط خصائص المفردات زجعلها مترادفات لا خير فيها ولا حد لها.
فمن قرأ كلام القفطي والذهبي وقوله فاجتاز باللاذقية ونزل دير الفاروس فقال كما قال الدكتور طه حسين فمر في طريقه باللاذقية فنزل بدير فيها ولقي بهذا الدير راهبا قد درس الفلسفة وعلوم الأوائل فأخذ عنه ما شككه في دينه وفي غيره من الديانتات ثم قوله بعد ذلك فلا شك أنه درس هاتين الديانتين يعني اليهودية والنصرانية في أسفاره الأولى فإما أن يكون ذلك في أنطاكية وإما أن يكون في اللاذقية = من قال ذلك فقد جاوز الحد وأساء غاية الإساءة لأن صدر الكلام عن الرحلة يدل على اجتياز مسافر باللاذقية ونزوله بدير ولا يزيد ذلك عن ساعات أو أيام ثلاثة وأيام ثلاثة ليست تعين على معرفة تبذ يسيرة فضلا عن دراسة.
ومن قرأ ذلك فقال كما قال لويس عوض وقد تعلم المعري في اللاذقية