فقد بالغ في الإساءة وخرج أيضا عن حد المعقول وكلا الرجلين طه ولويس أخدر معنى اجتاز ونزل وأصح منهما إدراكا لحقائق الألفاظ وما توجيه من المعاني اختصار ابن كثير لخبر الراهب فإنه تصرف في لفظ القفطي كل التصرف ولكنه أصاب حقيقة المعنى فقال ويقال أنه اجتمع براهب في بعض الصوامع في مجيئه من بعض السواحل أواه الليل عنده فشككه في دين الإسلام فاستخرج من لفظ القفطي أنه نزل عند الراهب ليلة واحدة فهذا اختصار فاهم ومبين أيضا مع دقة في الاستنباط وفي حديث القفطي نفسه ما يدل دلالة قاطعة على أن الأمر لم يكن دراسة ولا تعلما لأنه قال فسمع منه أبو العلاء أي من الراعب من أوائل كلام الفلاسفة والسماع لا يكون دراسة ولا تعلما بل هي كلمات قلائل سمعها لا غير وإذن فالاجتياز باللاذقية ثم النزول بالدير ثم سماع كلمات قلائل مشككة كلام متسق متناسب ومطابق لمفهوم اللغة ولا يعقل عاقل أن يجعل هذا المعنى الواضح إقامة باللاذقية والدير ودرسا أو تعلما إلا إذا فهمنا اللغة على أسلوب وردة كالدهان أنها هي روزا مستيكا وسائر العجائب التي لا تنقضي.
وفى هذه الجملة لفظ آخر هو دير الفاروس فلفظ الدير في العربية يدل على بيت النصارى الذي يتعبد فيها رهبانهم قال ياقوت والدير لا يكاد يكون في المصر أي المدينة إنما هو في الصحاري ورؤوس الجبال فإن كان في المصر كانت كنيسة أو بيعة وربما فرق بينهما فجعلوا الكنيسة لليهود والبيعة للنصاري والبيعة بكسر الباء وإذن فدير الفاروس كما تدل عليه اللغة وكما هو معروف إلى اليوم ليس في مدينة اللاذقية نفسها بل هو بعيد عنها في ظاهرها ظاهر المدينة خارجها وهذا يطابق صفة هذا الدير فإن ابن بطوطة 703 - 779 هـ مر به في رحلته فوصفه فقال وبخارج اللاقية الدير المعروف بدير الفاروس وهو أعظم دير بالشام ومصر يسكنه الرهبان ويقصده النصارى من الآفاق وكل من نزل به من المسلمين فالنصارى يضيفونه ومثل ذلك قال ابن