كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

أسفارهم يمرون بالأديرة فينزلون بها ويريحون أنفسهم ودوابهم ويقدم النصارى إليهم القرى ليلة أو ليلتين أو ثلاث ليال وليس عليهم بعد ذلك شيء ثم يرحلون عنهم وفي الأخبار السالفة لفظ مر بهم ونزل بهم وهي بالمعنى الذي أسلفت شرحه فأبو العلاء إن كان قد نزل بدير الفاروس فإنما نزل به على العادة الجارية بلا زيادة في طريقه إلى كرابلس كما زعم صاحب هذا الخبر وليس فيه ما يدل على إقامة وإذا لا إقامة فلا درس ولا تعلم أليس ذلك واضحا أيضا.
هكذا كان شأن الأديرة فيما سلف في أول الإسلام ولكن يبقى شيء لابد من ذكره فبعد العهد الأول صار لهذه الأديرة شأن آخر فهي بطبيعة بنائها كانت خارج المدن في بقاع حسنة وأماكن نزهة وكان النصارى في سلطان الإسلام متروكين على عادتهم وأحوالهم لا يعترضهم أحد لهم خماراتهم على مقربة من أديرتهم ويقصدها النساء والرجال على جاري عاداتهم لأنهم خارج مدن الإسلام فصارت لها شهرة أخرى ومن قرأ كتب الديارات أي الأديرة رأي عجبا ولن أثقل على أحد بنقل الأخبار عن دير دير منها ولكنك إذا اخذت كتاب الديارات للشابشتي ... - 388 هـ وهو قريب العهد برحلة أبي العلاء التي زعمها صاحب الخبر رأيت منذ أول صفحة فيه:
دير درمالس عيده أحسن عيد يجتمع نصاري بغداد إليه ولا يبقى أحد ممن يحب اللهو والخلاعة إلا تبعهم ثم يذكر أشعارا واخبارا في هذا الدير وسكانه من الرهبان وقصاده من أهل اللهو والخلاعة.
ثم يليه دير سالمو فيه منظر عجيب لأنه لا يبقى نصراني حضره وتقرب فيه أي تنأول القربان ولا أحد من أهل التطرب واللهو من المسلمين إلا قصده للتنزه ثم ذكر الأشعار فيه كذلك.
ثم يليه دير الثعالب أعمر موضع وأنزهه لما فيه من البساتين والشجر والنخل والرياحين ولتوسطه البلد وقربه من كل أحد فليس يخلو من أهل

الصفحة 96