كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: 1)

ما يدفعها به، ويحصل له بعض الإنحلال أصحيح هذا وإذن فأين ما كان من ترجمة كتب الفلسفة من قبل عهد المأمون إلى أن كان أبو العلاء وهي مئات الكتب يكفي أيسر النظر في مثل فهرس ابن النديم حتى تعرف كثرتها لا بل أين ما كتبه مثل الكندي فيلسوف العرب وابن ملوكها 185 - 252 هـ قبل أن يولد أبو العلاء بأكثر من قرن كامل وأين ما كتبه الفارابي المعلم الثاني ضريع أرسطو 257 - 339 هـ وهو قريب العهد والدار من أبي العلاء وكان آخر أمره مقيما بحلب مع سيف الدولة وصاحبه المتنبي وأني ما كتبه إخوان الصفا الذين اشتهر أمر رسائلهم قبل أن يولد أبو العلاء بزمان لا بل أين ما كتبه من هو أضل ضلالا من كل هؤلاء كابن الراوندي وأشباهه منذ قديم وأين الزنادقة القدماء من شعراء وكتاب أترى معرة النعمان لم يدخلها كتاب واحد من هذه الكتب ولا قرأه قارئ ولا ضل به ضال إلى أن ولد أبو العلاء ثم كبر ووصل إلى سن الطلب وطمحت نفسه إلى الاستكثار من ذلك كما في خبر الراهب أتراه إلى أن بلغ سن الطلب لم يسمع بخبر ولا شعر ولا قرئ له كتاب فيه زندقة أو ضلالة ليس عنده ما يدفعها به حتى يحتاج إلى رحلة في صباه إلى اللاذقية ودير الفاروس فيجد هناك راهبا شاديا لشيء من علوم الأوائل فيضلله أهذا كلام يعقل؟
ولو شئت أن أسوق ما يذهل من دواعي الضلالات من فلسفة وغير فلسفة وما كان متفشيا من المذاهب والنحل والأهواء في الشام وغير الشام قبل أن يولد أبو العلاء بأزمنة طوال لبلغ منك العجب مبلغا ولكني اكتفيت بهذا التساؤل لأن أدنى معرفة أو بصيرة توجب على المرء أن يقطع ببطلان خبر هذا الراهب من هذا الوجه وحده دون سواه من الوجوه التي دارستها فيما سلف.
فمن أعجب العجب بعد ذلك أن يأتي إنسان يظن في نفسه أن له عقلا يفكر به فيصدق مثل هذا الخبر اللقيط المتداعي من نواحيه جميعا وأعجب من تصديقه أن يستخرج من سياقه أن لقاء مثل هذا الراهب المذكور في الخبر وسماع كلمات منه كان تعلما وأعجب من هذا الاستخراج أن يستولد منه أن علوم الأوائل التي كانت تقرأ في الأديرة تحت حكم الروم هي آداب اليونان وفلسفتهم في

الصفحة 99