كتاب شرح الكافية الشافية (اسم الجزء: 1)

نظرة في مؤلفات ابن مالك:
عزف الشيخ -رحمه الله- عن مجتمعه، وشغل نفسه بالعلم.
فعشقه، وأكب على الدراسة فشغف بها، ومال إلى ما خلفه الأقدمون فالتهمه التهامًا. وساعده على ذلك ذكاء نادر، وقريحة وقادة، ونفس صافية، وطبيعة ناقدة حافظة. ومهد كل ذلك له معرفة كثير مما أغفله المتقدمون أو فاتهم. فتتبعهم بالتنبيه على مواضع السهو، ومواطن الزلل.
وقضى عمره -الذي نسأ الله له فيه- متنقلًا بين البلاد المختلفة حتى ألقى عصاه في دمشق. وفي كل مكان ينزله يسعى إليه طلاب العلم، وعشاق المعرفة يشاركونه فيما رهن نفسه به من مسائل في النحو، والصرف، واللغة، والحديث والقراءات. فكان يقرأ، ويدرس، ويبحث ويدون، ويصنف، ثم يملي على مريديه.
وكانت مهمته في التأليف والتصنيف مهمة صعبة، وشاقة، ذلك أن الذين كانوا يحضرون دروسه متفاوتون في المستويات العقلية، والعلمية، والاستعدادات الشخصية، وكان عليه أن يلبي رغبات الجميع ليشبع نهمهم.
من هنا اتسمت مؤلفات ابن مالك بسمات قل تحققها في مؤلفات عالم آخر ممن سبقه، أو أتى بعده منها:
التفاوت بين الطول، والقصر، والإطناب والإيجاز، والسهولة ووعورة المسلك.
والاقتصار -أحيانًا على موضوع واحد، كالمقصور والممدود، والمثلث من الكلام والفرق بين الظاء والضاد، وما يهمز وما لا يهمز، والفرائد في اللغة.

الصفحة 34