كتاب دلائل النبوة للبيهقي محققا (اسم الجزء: 1)

عليه، ولا يأمن أن يكون في قومه من يعارضه، وأن ذلك- إن كان- يبطل [ (25) ] دعوته.
فهذا إلى أن يذكر ما بعده [ (26) ]- دليل قاطع على أنه لم يقل للعرب ائتوا بمثله إن استطعتموه ولن تستطيعوه، إلا وهو واثق متحقّق أنهم لا يستطيعونه، ولا يجوز أن يكون هذا اليقين وقع له إلا من قبل ربّه الذي أوحى إليه به، فوثق بخبره. وبالله التوفيق.
وأما ما بعد هذا فهو:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قال لهم: ائتوني [ (27) ] بسورة من مثله إن كنتم صادقين.
فطالت المهلة والنّظرة لهم في ذلك، وتواترت الوقائع والحروب بينه وبينهم فقتلت صناديدهم، وسبيت ذراريهم ونساؤهم، وانتهبت أموالهم، ولم يتعرض أحد لمعارضته، فلو قدروا عليها لافتدوا بها أنفسهم وأولادهم وأهاليهم وأموالهم. ولكان الأمر في ذلك قريبا سهلا عليهم، إذ كانوا أهل لسان وفصاحة، وشعر وخطابة.
فلما لم يأتوا بذلك ولا ادّعوه صحّ أنهم كانوا عاجزين عنه.
وفي ظهور عجزهم بيان أنّه في العجز مثلهم، إذ كان بشرا مثلهم لسانه لسانهم، وعاداته عاداتهم، وطباعه طباعهم، وزمانه زمانهم، وإذا كان كذلك وقد جاء بالقرآن- وجب القطع بأنّه مِنْ عِنْدِ اللهِ، تَعَالَى جدّه، لا من عند غيره.
وبالله التوفيق.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: الحسين بن الحسن الحليمي [ (28) ]- رحمه الله: فإن
__________
[ (25) ] في الأصل (ح) : «يطلب» .
[ (26) ] في الأصل (ح) : «إلى أن يذكر إلى ما بعده» .
[ (27) ] في (ص) : ائتوا.
[ (28) ] هو الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ محمد بن حليم القاضي (338- 403) أصله من بخارى، ويعتبر أنبه المتكلمين في بلاد ما وراء النهر وأنظرهم، وآدبهم، وكان مقدما فاضلا كبيرا له مصنفات مفيدة

الصفحة 12