كتاب دلائل النبوة للبيهقي محققا (اسم الجزء: 1)

__________
[ () ] والمغزى أعمق من أن نتجاوزه إلى المماحكات التي تشعر بضعف الإيمان أكثر مما تشعر بنور اليقين.
إن الله سبحانه وتعالى- وقد شاءت إرادته- منذ الأزل- أن يكون محمد خاتم المرسلين، أراد سبحانه أن يجعل منه المثل الكامل للإنسان الكامل الذي يسير نحو الكمال بطهارة القلب، وتصفية النفس.
ولما شب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانت مكة تعج بمختلف أنواع اللهو والفساد والملاذ الشهوانية الدنسة.
كانت حانات الخمر منتشرة، وبيوت الريبة وعليها علامات تعرف بها، وتلك المغنيات والماجنات والراقصات، من أمور الجاهلية التي كانت تعج في ذلك المجتمع الجاهلي، وتتوجها عبادة الأصنام والأوثان.
والله سبحانه وتعالى برأ رسوله، واختاره من أكرم معادن الانسانية، ثم اختاره لحمل أكمل رسالات السماء إلى أمم الأرض،
وفي «صحيح البخاري» قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما هممت بشيء من أمر الجاهلية إلا مرتين كلتاهما عصمني الله- عز وجل- فيهما: قلت ليلة لبعض فتيان مكة- ونحن في رعاء غنم أهلها- فقلت لصاحبي:
«ألا تبصر لي غنمي حتى أدخل مكة أسمر فيها كما يسمر الفتيان؟
فقال: بلى.
قال: فدخلت حتى جئت أول دار من دور مكة، فسمعت عزفا بالغرابيل والمزامير، فقلت: ما هذا؟
قالوا: تزوج فلان فلانة.
فجلست أنظر، وضرب الله على أذني فو الله ما أيقظني إلا مسّ الشمس.
فرجعت إلى صاحبي فقال: ماذا فعلت؟
فقلت: ما فعلت شيئا، ثم أخبرته بالذي رأيت.
ثم قلت له ليلة أخرى: أبصر لي غنمي حتى أسمر، ففعل، فدخلت، فلما جئت مكة سمعت مثل الذي سمعته تلك الليلة فسألت فقيل:
نكح فلان فلانة.
فجلست أنظر، فضرب الله على أذني، فو الله، ما أيقظني إلا مسّ الشمس.
فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فقلت: لا شيء، ثم أخبرته الخبر، فو الله ما هممت ولا عدت بعدها لشيء من ذلك حتى أكرمني الله عز وجل بنبوته:
هذا ما كان من أمر عبث الفتيان.

الصفحة 137