كتاب دلائل النبوة للبيهقي محققا (اسم الجزء: 1)

الْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبْ، اقْتُلُوا هَذَا الْغُلَامَ وَاقْتُلُونِي مَعَهُ، فَإِنَّكُمْ إِنْ تَرَكْتُمُوهُ وَأَدْرَكَ مَدْرَكَ الرِّجَالِ لَيُسَفِّهَنَّ أَحْلَامَكُمْ، وَلَيُكَذِّبَنَّ أَدْيَانَكُمْ، وَلَيَدْعُوَنَّكُمْ إِلَى رَبٍّ لَا تَعْرِفُونَهُ، وَدِينٍ تُنْكِرُونَهُ.
قَالَتْ: فَلَمَّا سَمِعْتُ مَقَالَتَهُ انْتَزَعْتُهُ مِنْ يَدِهِ، وَقُلْتُ: لَأَنْتَ أَعْتَهُ مِنْهُ وَأَجَنُّ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا يَكُونُ مِنْ قَوْلِكَ مَا أَتَيْتُكَ بِهِ، اطْلُبْ لِنَفْسِكَ مَنْ يَقْتُلُكَ، فَإِنَّا لَا نَقْتُلُ مُحَمَّدًا. فَاحْتَمَلْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ مَنْزِلِي، فَمَا أَتَيْتُ- يَعْلَمُ اللهُ- مَنْزِلًا مِنْ مَنَازِلِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ إِلَّا وَقَدْ شَمَمْنَا مِنْهُ رِيحَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ، وَكَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَنْزِلُ عَلَيْهِ رَجُلَانِ أَبْيَضَانِ، فَيَغِيبَانِ فِي ثِيَابِهِ وَلَا يَظْهَرَانِ. فَقَالَ النَّاسُ: رُدِّيهِ يَا حَلِيمَةُ عَلَى جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَخْرِجِيهِ مِنْ أَمَانَتِكِ. قَالَتْ:
فَعَزَمْتُ عَلَى ذَلِكَ، فَسَمِعْتُ مُنَادِيًا يُنَادِي: هَنِيئًا لَكِ يَا بَطْحَاءَ مَكَّةَ، الْيَوْمَ يُرَدُّ [ (332) ] عَلَيْكِ النُّورُ، وَالدِّينُ، وَالْبَهَاءُ، وَالْكَمَالُ، فَقَدْ أَمِنْتِ أَنْ تُخْذَلِينَ أَوْ تَحْزَنِينَ أَبَدَ الْآبِدِينَ وَدَهْرَ الدَّاهِرِينَ. قَالَتْ: فَرَكِبْتُ أَتَانِيَ، وَحَمَلْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، بَيْنَ يَدَيَّ، أَسِيرُ حَتَّى أَتَيْتُ الْبَابَ الْأَعْظَمَ مِنْ أَبْوَابِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، فَوَضَعْتُهُ لِأَقْضِيَ حَاجَةً وَأُصْلِحَ شَأْنِي، فَسَمِعْتُ [ (333) ] هَدَّةً شَدِيدَةً، فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ: مَعَاشِرَ النَّاسِ، أَيْنَ الصَّبِيُّ؟ قَالُوا: أَيُّ الصبيان؟ قلت: محمد ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، الَّذِي نَضَّرَ اللهُ بِهِ وَجْهِي، وَأَغْنَى عَيْلَتِي، وَأَشْبَعَ جَوْعَتِي، رَبَّيْتُهُ حَتَّى إِذَا أَدْرَكْتُ بِهِ سُرُورِي وَأَمَلِي، أَتَيْتُ بِهِ أَرُدُّهُ وَأَخْرُجُ مِنْ أَمَانَتِي، فَاخْتُلِسَ مِنْ يَدَيَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمَسَّ قَدَمَيْهِ الْأَرْضُ، وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ لَمْ أَرَهُ لَأَرْمِيَنَّ بِنَفْسِي مِنْ شَاهِقِ هَذَا الْجَبَلِ، وَلَأَتَقَطَّعَنَّ إِرْبًا إِرْبًا. فَقَالَ النَّاسُ [إِنَّا] [ (334) ] لَنَرَاكِ غَائِبَةً عَنِ الرُّكْبَانِ، مَا مَعَكِ مُحَمَّدٌ. قَالَتْ: قُلْتُ: السَّاعَةَ
__________
[ (332) ] في (ص) : «يرد الله عليك..» .
[ (333) ] في (هـ) : «سمعت» ، وفي (ص) : «إذ سمعت» .
[ (334) ] الزيادة من (ح) .

الصفحة 142