كتاب دلائل النبوة للبيهقي محققا (اسم الجزء: 1)

واحتجّ أيضا في فرض اتّباع أمره بقوله عَزَّ وَجَلَّ: لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً. قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [ (59) ] .
وقال: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [ (60) ] وغيرها من الآيات التي دلّت على اتباع أمره، ولزوم طاعته.
قال الشافعيّ: وكان فرضه- جل ثناؤه- على من عاين رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ومن بعده إلى يوم القيامة- واحدا، من أنّ على كلّ طاعته ولم يكن أحد غاب عن رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعلم أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا بالخبر عنه.
والخبر عنه خبران:
خبر عامة، عن عامة، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم بجمل ما فرض الله سبحانه على العباد أن يأتوا به بألسنتهم وأفعالهم، ويؤتوه من أنفسهم وأموالهم. وهذا ما لا يسع جهله وما يكاد أهل العلم والعوام أن يستووا فيه، لأن كلا كلّفه، كعدد الصلاة وصوم شهر رمضان وحج البيت وتحريم الفواحش، وأن لله عليهم حقّا في أموالهم. وما كان في معنى هذا.
وخبر خاصة في خاص الأحكام لم يأت أكثره كما جاء الأول لم يكلّفه العامة، وكلّف علم ذلك من فيه الكفاية للقيام به دون العامة. وهذا مثل ما يكون منهم في الصلاة من سهو يجب به سجود أو لا يجب، وما يفسد الحج أو لا يفسده، وما تجب به الفدية وما لا تجب مما يفعله وغير ذلك. وهو الذي على العلماء فيه عندنا قبول خبر الصادق على صدقه، لا يسعهم ردّه بفرض الله طاعة نبيّه.
__________
[ (59) ] الآية الكريمة (63) من سورة النور، والأثر ذكره الشافعي في «الرسالة» صفحة (83- 84) .
[ (60) ] الآية الكريمة (7) من سورة الحشر.

الصفحة 22