كتاب دلائل النبوة للبيهقي محققا (اسم الجزء: 1)

فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، دَائِمَ الْبِشْرِ، سَهْلَ الْخُلُقِ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، ولا سخاب، وَلَا فَحَّاشٍ وَلَا عَيَّابٍ، وَلَا مَزَّاحٍ. يَتَغَافَلُ عَمَّا لا يشتهي، ولا يويس مِنْهُ، وَلَا يُحَبِّبُ فِيهِ. قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ:
الْمِرَاءِ، وَالْإِكْثَارِ، وَمَا لَا يَعِنِيهِ. وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلَاثٍ: كَانَ لَا يَذُمُّ أَحَدًا وَلَا يُعَيِّرُهُ، وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا رُجِيَ ثَوَابُهُ. إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطَّيْرُ، فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا، وَلَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ- زَادَ الْعَلَوِيُّ: الْحَدِيثَ.
مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ. حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَلْوِيَتِهِمْ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: أَوَّلُهُمْ- يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ، حَتَّى إذا كَانَ أَصْحَابُهُ لَيَسْتَجْلِبُونَهُمْ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: فِي الْمِنْطِقِ، وَيَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ، وَلَا يَقْبَلُ [ (22) ] الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مُكَافٍ، وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُوزَ فَيَقْطَعَهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: بِانْتِهَاءٍ [ (23) ] أَوْ قِيَامٍ.
قَالَ: فَسَأَلْتُهُ كَيْفَ كَانَ سُكُوتُهُ؟
قَالَ: كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، عَلَى أَرْبَعٍ: الْحِلْمِ، وَالْحَذَرِ، وَالتَّقْدِيرِ، وَالتَّفَكُّرِ- وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ: وَالتَّفْكِيرِ [ (24) ]- فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَفِي تَسْوِيَتِهِ النَّظَرِ وَالِاسْتِمَاعِ بَيْنَ النَّاسِ.
وَأَمَّا تَذُكُّرُهُ- أَوْ قَالَ: تَفَكُّرُهُ- قَالَ سَعِيدٌ: تَفَكُّرُهُ، وَلَمْ يَشُكَّ. وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ تَفْكِيرُهُ- ففيما يبقى ويفنى.
__________
[ (22) ] في (هـ) : «ولا يطلب» .
[ (23) ] في (ص) : «بانتهاء كان أو قيام» .
[ (24) ] سقطت من (هـ) .

الصفحة 291