كتاب دلائل النبوة للبيهقي محققا (اسم الجزء: 1)

عَلَى نَاقَتِهِ فَانْبَعَثَتْ بِهِ انْفَجَرَتْ عَيْنٌ [ (124) ] مِنْ تَحْتِ خُفِّهَا بِمَاءٍ [ (125) ] عَذْبٍ، فَأَنَاخَ وَأَنَاخَ أَصْحَابُهُ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَاسْتَقَوْا، ثُمَّ دَعَوْا أَصْحَابَهُمْ: هَلُمُّوا إِلَى الْمَاءِ فَقَدْ سَقَانَا اللهُ، تَعَالَى، فَجَاءُوا وَاسْتَقَوْا وَسَقَوْا، ثُمَّ قَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَدْ وَاللهِ قُضِيَ لَكَ، إِنَّ الَّذِي سَقَاكَ هَذَا [ (126) ] الْمَاءَ بِهَذِهِ الْفَلَاةِ لَهُوَ الَّذِي سَقَاكَ زَمْزَمَ، انْطَلِقْ فَهِيَ لَكَ، فَمَا نَحْنُ بِمُخَاصِمِيكَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَانْصَرَفُوا، وَمَضَى عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَحَفَرَ، فَلَمَّا تَمَادَى بِهِ الْحَفْرُ وَجَدَ غَزَالَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَهُمَا الْغَزَالَانِ اللَّذَانِ كَانَتْ جُرْهُمٌ [ (127) ] دَفَنَتْ فِيهَا حِينَ أُخْرِجَتْ مِنْ مَكَّةَ، وَهِيَ بِئْرُ [ (128) ] إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، الَّذِي سَقَاهُ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، حِينَ ظمئ وهو صغير.
__________
[ (124) ] في (ح) : «عيون تحت» .
[ (125) ] في (ص) : «ماء» .
[ (126) ] «هذا» سقطت من (ح) .
[ (127) ] لما توفي إسماعيل- عليه السلام- ولي البيت بعده ابنه نابت بن إسماعيل مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يليه، ثم ولي البيت مضاض بن عمرو الجرهمي، وبنو إسماعيل، وبنو نابت مع جدهم مضاض وأخوالهم من جرهم، ثم نشر الله ولد إسماعيل بمكة، وأخوالهم من جرهم ولاة البيت والحكام بمكة لا ينازعهم ولد إسماعيل في ذلك لخؤولتهم وقرابتهم، وإعظاما للحرمة أن يكون بها بغي أو قتال.
ثم إن جرهما بغوا بمكة واستحلوا حلالا من الحرم، فظلموا من دخلها من غير أهلها، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها، فرقّ أمرهم، فلما رأت بنو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ من كنانة وغبشان من خزاعة ذلك، اجمعوا لحربهم وإخراجهم من مكة، فآذنوهم، أي أعلموهم بالحرب، فاقتتلوا، فغلبهم بنو بكر وغبشان فنفوهم من مكة، كانت مكة في الجاهلية لا تقرّ فيها ظلما ولا بغيا، ولا يبغي فيها أحد إلا أخرجته، ولا يريدها ملك يستحلّ حرمتها إلا أهلكته مكانه. فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض بغزالي الكعبة وبحجر الركن، فدفن الغزالين في زمزم، وردمها، ومرت عليها السنون عصرا بعد عصر إلى أن صار موضعها لا يعرف حتى بوّأها الله لعبد المطلب جد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وانطلق عمرو بن مضاض ومن معه من جرهم إلى اليمن.
[ (128) ] في (ح) : «من إسماعيل» .

الصفحة 95