كتاب دلائل النبوة للبيهقي محققا (اسم الجزء: المقدمة)

فَبَكَى وَاللهِ النَّجَاشِيُّ، حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حتى أخضلوا مصاحفهم، حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي:
إن هذا والذي جاء به عيسى، ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يكادون.
قالت: فلما خرجا من عنده، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: والله لأتينه غدا عنهم بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ.
قالت: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ- وكان أتقى الرجلين فينا- لا تفعل فإن لهم أرحاما، وإن كانوا قد خالفونا، قال:
والله لأخبرته أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد الله، قالت: ثم غدا عليه من الغد.
فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ! إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى بن مريم قَوْلًا عَظِيمًا، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ فسلهم عما يقولون فيه.
قالت: فأرسل إليهم ليسألهم عنه. فقالت:
وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا قط، فاجتمع القوم ثم قال بعضهم لبعض: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى بن مريم إذا سألكم عنه؟ قالوا:
نقول: - والله- (فيه) ما قال الله، وما جاءنا به ننهينا، كائنا في ذلك ما هو كائن. قالت: فلما دخلوا عليه قال لهم: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى بن مريم؟
قالت: فقال له جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: نقول فيه الذي جَاءَنَا بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هُوَ عبد الله ورسوله، وروحه، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ العذراء البتول، قالت:
فضرب النجاشي بيده إِلَى الْأَرْضِ، فَأَخَذَ مِنْهَا عودا ثُمَّ قَالَ:
وَاللهِ مَا عدا عيسى بن مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا العود، قالت:

الصفحة 31