كتاب دلائل النبوة للبيهقي محققا (اسم الجزء: المقدمة)

الدِّينِ؟ فَقَالُوا: الْأَسْقُفُّ صَاحِبُ الْكَنِيسَةِ، فَجِئْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِي كَنِيسَتِكَ، وَأَعْبُدُ الله فيها مَعَكَ، وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ الْخَيْرَ. قَالَ: فَكُنْ مَعِي. قَالَ: فَكُنْتُ مَعَهُ، وَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ كَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ، ويرغبهم فيها، فإذا جمعها إِلَيْهِ اكْتَنَزَهَا وَلَمْ يُعْطِهَا المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، فَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُ مِنَ حَالِهِ، فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ مَاتَ، فَلَمَّا جَاءُوا لِيَدْفِنُوهُ قُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا رَجُلُ سَوْءٍ، وكان يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا، حَتَّى إِذَا جَمَعْتُمُوهَا إِلَيْهِ، اكْتَنَزَهَا وَلَمْ يُعْطِهَا الْمَسَاكِينَ، فَقَالُوا:
وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا أُخْرِجُ لَكُمْ كنزها، فَقَالُوا: فَهَاتِهِ، فَأَخْرَجْتُ لَهُمْ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ، قَالُوا: وَاللهِ لَا يُدْفَنُ أَبَدًا..
فَصَلَبُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ وَرَمَوهُ بِالْحِجَارَةِ، وَجَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ فَجَعَلُوهُ مَكَانَهُ فَلَا وَاللهِ- يَا ابْنَ عَبَّاسٍ- مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ لا يصلي الخمس. رأى أنه أفضل منه وأشد اجتهادا ولا زهادة فِي الدُّنْيَا، وَلَا أَدْأَبَ ليلا ونَهَارًا مِنْهُ، مَا أَعْلَمُنِي أَحْبَبْتُ شَيْئًا قَطُّ قَبْلَهُ حُبَّهُ. فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقُلْتُ: يَا فُلَانُ قَدْ حَضَرَكَ، مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللهِ، وَإِنِّي وَاللهِ مَا أَحْبَبْتُ شَيْئًا قَطُّ حُبَّكَ، فَمَاذَا تَأْمُرُنِي؟ وَإِلَى مَنْ تُوصِينِي؟ فقال لِي: أَيْ بُنَيَّ، وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا رَجُلًا بالموصل فَأْتِهِ، فَإِنَّكَ سَتَجِدُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِي، فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ، لَحِقْتُ بِالْمَوْصِلِ فَأَتَيْتُ صَاحِبَهَا فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ مِنَ الِاجْتِهَادِ وَالزَّهَادَةِ فِي الدُّنْيَا، فَقُلْتُ لَهُ: إن فلانا أوصى بي إِلَيْكَ أَنْ آتِيَكَ وَأَكُونَ مَعَكَ، قَالَ: فَأَقِمْ أَيْ بُنَيَّ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ أَمْرِ صَاحِبِهِ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقُلْتُ لَهُ: إن فلانا أوصى بي إليك وقد حضر لك مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا تَرَى، فَإِلَى مَنْ تُوصِينِي؟ قال: وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ أَيْ بني، إلا رجلا بِنَصِيبِينَ، وَهُوَ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فَالْحَقْ بِهِ، فَلَمَّا دَفَنَّاهُ لَحِقْتُ بِالْآخَرِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فلان، إن فلانا أوصى بي إلى فلان وفلان أوصى بي إِلَيْكَ. قَالَ: فَأَقِمْ يَا بُنَيَّ؟.
فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِمْ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ،

الصفحة 39