كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 1)
الْعَظِيم، وَلَكِن الاسى يغشانا حِين نسْأَل: أَيْن هَذِه الْكتب الَّتِى تذكر لَهُ وَلَا يهتدى إِلَى مَكَانهَا؟ ! والتى نعتقد أَنَّهَا لَو عثر عَلَيْهَا وقدمت إِلَى النَّاس لسدت فراغا وحققت نفعا.
إِن من المؤسف أَن يبدد تراث عَزِيز وَتحرم مِنْهُ أمة محتاجة.
وَنحن نَدْعُو من هُنَا كل الَّذين يعنون بِأَمْر الثراث الاسلامي، وخاصة المسئولين عَن ذَلِك فِي الدولة، أَن يبحثوا عَن آثَار هَذَا الامام الْعَظِيم، وَأَن يهيئوا لكتبه النافعة السَّبِيل كى تَأْخُذ طريقها إِلَى أيدى النَّاس، وَأَن يُعَاد تَقْدِيم كتبه المطبوعة فِي صُورَة صَحِيحَة لائقة، بعيدَة عَن التِّجَارَة والاستغلال.
هَذَا الْكتاب: ولكتابنا هَذَا الذى نقدمه الْيَوْم قصَّة.
فَلَقَد كَانَ الْخَيط الذى أمسكنا بِهِ هُوَ أَن ابْن كثير ذكر فِي تَفْسِيره فِي سُورَة الاحزاب فِي قصَّة غَزْوَة الخَنْدَق، أَنه قد كتب السِّيرَة النَّبَوِيَّة مُطَوَّلَة ومختصرة، حَيْثُ يَقُول: (وَهَذَا كُله مُقَرر مفصل بأدلته وَأَحَادِيثه وَبسطه فِي كتاب السِّيرَة الذى أفردناه موجزا وبسيطا وَللَّه الْحَمد والْمنَّة) .
وَمعنى ذَلِك أَن كِتَابَته للسيرة النَّبَوِيَّة قد عرفت طريقها إِلَى أيدى النَّاس فِي عصره، وَلَكِن الْبَحْث فِي نَاحيَة المخطوطات لم يدل على وجود تِلْكَ السِّيرَة ككتاب مُسْتَقل، ويبدو أَنه حينما ألف كِتَابه الضخم (الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة) قد أدمج تِلْكَ السِّيرَة فِيهِ، وَأَن شهرة ذَلِك الْكتاب وانتشاره فِي الانحاء، قد جعل النَّاس يقرأون تِلْكَ السِّيرَة فِيهِ، وَلم يعد لَهَا كيان مُسْتَقل ككتاب، وَإِذا كَانَ ابْن كثير قد ذكر أَنه لَهُ السِّيرَة النَّبَوِيَّة
أُخْرَى مِنْهُمُ الشَّامَ وَهُمُ الَّذِينَ تَنَصَّرُوا فِيمَا بَعْدُ، وَهُمْ غَسَّانُ وَعَامِلَةُ وَبَهْرَاءُ وَلَخْمٌ وَجُذَامٌ وتنوخ وتغلب وَغَيرهم.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ: قَالَ الْأَعْشَى بْنُ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَهُوَ مَيْمُونُ بْنُ قَيْسٍ: - وَفِي ذَاكَ لِلْمُؤْتَسِي أُسْوَةٌ * وَمَأْرِبُ (1) عَفَّى عَلَيْهَا الْعَرِمْ رُخَامٌ بَنَتْهُ لَهُمْ حِمْيَرُ * إِذَا جَاءَ مَوَّارُهُ (2) لَمْ يَرِمْ فَأَرْوَى الزُّرُوعَ (3) وَأَعْنَابَهَا * عَلَى سَعَةٍ مَاؤُهُمْ إِذْ قسم فصاروا أيادى (4) لَا يقدرُونَ * على شرب طِفْل إِذا مَا فُطِمْ وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي كِتَابِ السِّيرَةِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْيَمَنِ قَبْلَ سَيْلِ الْعَرِمِ عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ اللَّخْمِيُّ، وَلَخْمٌ هُوَ ابْنُ عَدِيِّ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ أُدَدَ (5) بْنِ زَيْدِ بْنِ هَمَيْسَعِ (6) بْنِ عَمْرِو بْنِ عَرِيبِ بْنِ يَشْجُبَ بن زيد بن كهلان بن سبأ.
وَيُقَال لَخْمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَبَأٍ.
قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ سَبَبُ خُرُوجِهِ مِنَ الْيَمَنِ، فِيمَا حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، أَنَّهُ رَأَى جُرَذًا يَحْفِرُ فِي سَدِّ مَأْرِبَ الَّذِي كَانَ يَحْبِسُ عَلَيْهِمُ الْمَاءَ فَيَصْرِفُونَهُ حَيْثُ شَاءُوا مِنْ أَرْضِهِمْ، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا بَقَاءَ لِلسَّدِّ عَلَى ذَلِكَ، فَاعْتَزَمَ عَلَى النَّقَلَةِ عَنِ الْيَمَنِ فَكَادَ قَوْمَهُ، فَأَمَرَ أَصْغَرَ وَلَدِهِ إِذَا أَغْلَظَ عَلَيْهِ وَلَطَمَهُ أَنْ يَقُومَ إِلَيْهِ فَيَلْطِمَهُ، فَفَعَلَ ابْنُهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ، فَقَالَ عَمْرٌو: لَا أُقِيمُ بِبَلَدٍ لَطَمَ وَجْهِي فِيهِ أَصْغَرُ وَلَدِي.
وَعَرَضَ أَمْوَالَهُ.
فَقَالَ أَشْرَافٌ من
__________
(1) المطبوعة: ومأرم.
وَهُوَ خطأ (2) مواره: مَاؤُهُ الذى يضطرب ويتموج.
(3) المطبوعة: الزَّرْع، وَهُوَ خطأ (4) ابْن هِشَام: مَا يقدرُونَ (5) المطبوعة: أَزْد، وَهُوَ تَحْرِيف (6) المطبوعة: مهع، وَهُوَ تَحْرِيف.
(*)
الصفحة 12
536