كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 1)

مبسوطة، أَي مُطَوَّلَة، فَإِنَّهُ لَا يعقل أَن يكْتب فِيهَا أَكثر من ذَلِك الْقسم الْمَوْجُود بكتابه (الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة) .
وَمن هُنَا فقد اتجهت إِلَى نشر (السِّيرَة النَّبَوِيَّة لِابْنِ كثير) وهى ذَلِك الْقسم الذى
أفرده ابْن كثير لاخبار الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة وسيرة النَّبِي صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ وتاريخ دَعوته حَتَّى وَفَاته.
على اعْتِبَار أَن هَذَا الْقسم هُوَ السِّيرَة النَّبَوِيَّة المطولة الَّتِى أَشَارَ إِلَيْهَا ابْن كثير فِي تَفْسِيره.
والذى دَعَاني إِلَى ذَلِك اسباب مِنْهَا: 1 - أَن تِلْكَ السِّيرَة قد شغلت نَحْو ثَلَاثَة أَجزَاء من كتاب الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة، من أَوَاخِر الْجُزْء الثَّانِي حَتَّى أَوَاخِر الجز الْخَامِس، وهى بذلك موزعة بَين أَرْبَعَة أَجزَاء.
2 - أَن هَذِه الاجزاء من الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة مُرْتَفعَة الثّمن جدا، حَتَّى لقد بلغ ثمن الْجُزْء الثَّالِث وَحده أَرْبَعَة جنيهات مصرية إِن وجد! ! تبعا لاحتكار التِّجَارَة فِي المراجع وَقلة النّسخ الْمَوْجُودَة.
3 - أَن هَذِه الطبعة الْمشَار إِلَيْهَا مليئة بالتحريف والتشويه بِصُورَة فظيعة، وَلَا أدرى كَيفَ ظلت هَذِه الطبعة تتداول فِي أيدى الْعلمَاء والطلاب مَعَ أَنَّهَا لاتكاد تَخْلُو صفحة مِنْهَا من تَحْرِيف أَو تَصْحِيف أَو سقط.
تِلْكَ الاسباب جَعَلتني أرى فِي نشر السِّيرَة النَّبَوِيَّة لِابْنِ كثير تَحْقِيقا لفوائد كَثِيرَة ... أهمها تَعْمِيم النَّفْع بهَا بعد أَن كَانَت محصورة فِي أيدى قلَّة مِمَّن يقدرُونَ على شِرَاء الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة كلهَا بِثمنِهَا الْمُرْتَفع.
أَشْرَافِ الْيَمَنِ: اغْتَنِمُوا غَضْبَةَ عَمْرٍو فَاشْتَرُوا مِنْهُ أَمْوَالَهُ.
وَانْتَقَلَ فِي وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ.
وَقَالَتِ الْأَزْدُ لَا نَتَخَلَّفُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ.
فَبَاعُوا أَمْوَالَهُمْ وَخَرَجُوا مَعَهُ، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا بِلَادَ عَكٍّ مُجْتَازِينَ يَرْتَادُونَ الْبُلْدَانَ، فَحَارَبَتْهُمْ عَكٌّ، فَكَانَتْ حَرْبُهُمْ سِجَالًا، فَفِي ذَلِكَ قَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ: وَعَكُّ بْنُ عَدْنَانَ الَّذِينَ تَلَعَّبُوا (1) * بِغَسَّانَ حَتَّى طُرِّدُوا كُلَّ مَطْرَدِ قَالَ: فَارْتَحَلُوا عَنْهُمْ فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ، فَنَزَلَ آلُ جَفْنَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الشَّامَ، وَنَزَلَ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ يَثْرِبَ، وَنَزَلَتْ خُزَاعَةُ مَرًّا (2) ، وَنَزَلَتْ أَزْدُ السَّرَاةِ السَّرَاةَ، وَنَزَلَتْ أُزْدُ عُمَانَ عُمَانَ.
ثُمَّ أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى السَّدِّ السَّيْلَ فَهَدَمَهُ، وَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَاتِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا.
وَعَنْ مُحَمَّد بن إِسْحَاق فِي رِوَايَته أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ كَانَ كَاهِنًا.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَتِ امْرَأَتُهُ طَرِيفَةُ بِنْتُ الْخَيْرِ الْحِمْيَرِيَّةُ كَاهِنَةً فَأُخْبِرَتْ بِقُرْبِ هَلَاكِ بِلَادِهِمْ، وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا شَاهِدَ ذَلِكَ فِي الْفَأْرِ الَّذِي سُلِّطَ عَلَى سَدِّهِمْ فَفَعَلُوا مَا فَعَلُوا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرْتُ قِصَّتَهُ مُطَوِّلَةً عَنْ عِكْرِمَةَ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي التَّفْسِيرِ.
فَصْلٌ: وَلَيْسَ جَمِيعُ سَبَأٍ خَرَجُوا مِنَ الْيَمَنِ لَمَّا أُصِيبُوا بِسَيْلِ الْعَرِمِ، بَلْ أَقَامَ أَكْثَرُهُمْ بِهَا، وَذَهَبَ أَهْلُ مَأْرِبٍ الَّذِينَ كَانَ لَهُمُ السَّدُّ فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جَمِيعَ قَبَائِلِ سَبَأٍ لَمْ يخرجُوا من الْيمن، بل إِنَّمَا تشاءم وَمِنْهُم أَرْبَعَة وبقى
__________
(1) فِي أصُول الاحساب للجوانى ص 111: تلقبوا (2) هُوَ الذى يعرف بمر الظهْرَان، على مرحلة من مَكَّة.
(*)

الصفحة 13