كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 1)
إِلَّا مَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.
وَإِنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ وَيَقُولُ: الشَّاةُ خَلَقَهَا اللَّهُ وَأَنْزَلَ لَهَا من السَّمَاء المَاء وَأنْبت لَهَا من الارض، ثمَّ تذبحونها عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَحَدَّثَنِي سَالِمُ بن عبد الله، وَلَا أعلمهُ إِلَّا تحدث بِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرو ابْن نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ وَيَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ الْيَهُودِ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ، فَقَالَ: إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ (1) فَأَخْبِرْنِي.
فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ نَصِيبَكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ: قَالَ زَيْدٌ: وَمَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ شَيْئًا وَلَا أَسْتَطِيعُهُ (2) ، فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَنِيفًا.
قَالَ زَيْدٌ: وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ.
فَخَرَجَ زَيْدٌ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَقَالَ: لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ [مِنْ لَعْنَةِ الله.
قَالَ: مَا أفر إِلَّا من لعنة الله، وَلَا أحمل من لعنة الله وَلَا من غَضَبه شَيْئا أبدا، وَلَا أَسْتَطِيع، فَهَلْ تَدُلُّنِي] (3) عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَنِيفًا.
قَالَ: وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ، لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ.
فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ.
قَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ: كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ
رضى الله عَنْهُمَا قَالَتْ: رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِما مُسْندًا ظَهره إِلَى الْكَعْبَة يَقُول:
__________
(1) أَي عازم عَلَيْهِ ومتهيئ لَهُ.
(2) الذى فِي البُخَارِيّ 2 / 178 طبعة الاميرية: " وَأَنا أستطيعه ".
(3) سقط من المطبوعة.
(*)
الصفحة 160