كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 1)

بَاب أَمْثَال هَذَا الحَدِيث من الواهيات والموضوعات.
كَذَلِك خبر خَالِد بن سِنَان، وهتاف الجان وأساطيره، سَار فِيهَا ابْن كثير شوطا بَعيدا ممتلئا بالخرافات والاساطير.
لكننا مَعَ ذَلِك ننتحل الْعذر لِابْنِ كثير فِي إِثْبَات مثل هَذِه الاخبار، إِذْ كَانَ عصره يحتفل بهَا ويهتم بروايتها، وَإِذا كَانَ قَصده فِي كِتَابه الْجمع وَالِاسْتِقْصَاء وَمَا دَامَ قد أخلى تَبعته بِإِسْنَاد كل خبر إِلَى روايه واهتم بالتخريج وَالْحكم، فَإِنَّهُ بذلك يكون قد أدّى واجبه وَقَامَ بِمَا عَلَيْهِ.
7 - إِن الْمطَالع للسيرة النَّبَوِيَّة لِابْنِ كثير يحمد لهَذَا الرجل جهده الذى قَامَ بِهِ، إِذْ مزج أَخْبَار السِّيرَة بروايات الاحاديث فسن بذلك نهجا جَدِيدا لم يكن من قبله يهتمون بِهِ.
وَإِذ جمع كل مَا يُمكن فِي هَذَا المجال، فَوضع أَمَام الْمطَالع لكتابه مَادَّة وافية تمكنه من الدراسة والاحاطة والاستيفاء.
وَقد أعَان ابْن كثير على ذَلِك عصره الْمُتَأَخر وإحاطته بالاحاديث وإجادته للروايات والاخبار.

مَنْهَج التَّحْقِيق:
اعتمدت فِي إِخْرَاج السِّيرَة النَّبَوِيَّة لِابْنِ كثير على مَا يَأْتِي:
1 - نُسْخَة مصورة من الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة لِابْنِ كثير تحمل رقم 1110 تَارِيخ بدار الْكتب المصرية، وهى مصورة عَن مكتبة ولى الدّين 2347 بالآستانه.
وإليها الاشارة بالحرف (ا) .
2 - نُسْخَة مخطوطة من الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة بالمكتبة التيمورية تحمل رقم 2443 تَارِيخ وهى نَاقِصَة من أَولهَا.
فِي تَأْوِيلِهَا؟ فَقَالَ: أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ مِنْ إِنْسَانٍ، لَيَنْزِلَنَّ أَرْضِكُمُ السُّودَانُ، فَلْيَغْلِبُنَّ عَلَى كُلِّ طَفْلَةِ الْبَنَانِ، وَلِيَمْلِكُنَّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إِلَى نَجْرَانَ.
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: وَأَبِيكَ يَا شِقُّ إِنَّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ أَفِي زَمَانِي أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: لَا بَلْ بَعْدَهُ بِزَمَانٍ، ثُمَّ يَسْتَنْقِذُكُمْ مِنْهُمْ عَظِيم ذوشان، وَيُذِيقُهُمْ أَشَدَّ الْهَوَانِ.
قَالَ: وَمَنْ هَذَا الْعَظِيمُ الشَّانِ؟ قَالَ غُلَامٌ لَيْسَ بِدَنِيٍّ وَلَا مُدَنٍّ (1) يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ ذِي يَزَنَ.
قَالَ أَفَيَدُومُ سُلْطَانُهُ
أَمْ يَنْقَطِعُ قَالَ: بَلْ يَنْقَطِعُ بِرَسُولٍ مُرْسَلٍ، يَأْتِي بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ، مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إِلَى يَوْمِ الْفَصْلِ.
قَالَ وَمَا يَوْمُ الْفَصْلِ؟ قَالَ: يَوْم يجزى فِيهِ الْوُلَاةُ، يُدْعَى فِيهِ مِنَ السَّمَاءِ بِدَعَوَاتٍ تسمع مِنْهَا الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ، وَيُجْمَعُ النَّاسُ فِيهِ لِلْمِيقَاتِ، يَكُونُ فِيهِ لِمَنِ اتَّقَى الْفَوْزُ وَالْخَيْرَاتُ.
قَالَ أَحَقٌّ مَا تَقُولُ؟ قَالَ إِي وَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ رَفْعٍ وَخَفْضٍ، إِنَّ مَا أَنْبَأْتُكَ بِهِ لَحَقٌّ مَا فِيهِ أَمْضٌ (2) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ مَا قَالَا، فَجَهَّزَ بَنِيهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ إِلَى الْعِرَاقِ، وَكَتَبَ لَهُمْ إِلَى مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ فَارِسَ يُقَالُ لَهُ سَابُورُ بْنُ خُرَّزَاذَ فَأَسْكَنَهُمُ الْحِيرَةَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَمِنْ بَقِيَّةِ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ: النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ، بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، بْنِ عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ، بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ، يَعْنِي الَّذِي كَانَ نَائِبًا عَلَى الْحِيرَةِ لِمُلُوكِ الْأَكَاسِرَةِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَفِدُ إِلَيْهِ وَتَمْتَدِحُهُ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ مِنْ أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ مِنْ سُلَالَةِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ قَالَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا جئ بِسَيْفِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ سَأَلَ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ عَنْهُ مِمَّنْ كَانَ؟ فَقَالَ مِنْ أَشْلَاءِ (3) قُنُصِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.
__________
(1) المدن: المقصر فِي الامور (2) الامض: الشَّك، بِلِسَان حمير (3) الاشلاء: البقايا (*)

الصفحة 17