كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 1)
بِنَا الامر إِلَى أَن يصير الْكتاب حَاشِيَة من الحواشى الْقَدِيمَة، إِذْ لَا فَائِدَة فِي التَّعْلِيق على كل مَا يُمكن التَّعْلِيق عَلَيْهِ، بل الْفَائِدَة فِي التَّعْلِيق مَا يجب التَّعْلِيق عَلَيْهِ، وَقد يلمس الْقَارئ أَن أَسَانِيد الرِّوَايَات والاحاديث لم تظفر بِمَا ينبغى لَهَا من التَّعْرِيف بهؤلاء الرِّجَال وَذكر وفياتهم، وَلَو أَنى فعلت ذَلِك لخرجنا بِكِتَاب فِي رجال الحَدِيث مَا أرى قَارِئ السِّيرَة النَّبَوِيَّة بحاجة إِلَيْهِ، وفى هَذَا الْبَاب كتب متخصصة ميسرَة لمن أرادها.
ويلحظ أَنى تدخلت بِنَقْد بعض الاخبار الَّتِى ذكرهَا ابْن كثير، وَلم أملك أمامها سوى الاستبعاد الْعقلِيّ، وَقد رَأَيْت ذَلِك وَاجِبا حَتَّى يتَنَبَّه الْقَارئ إِلَى أَنه لَيْسَ مطالبا بِتَصْدِيق كل مَا أثْبته ابْن كثير فِي كِتَابه هَذَا مادام لَيْسَ ثَابتا بِدَلِيل شرعى صَحِيح أَو لَيْسَ لَهُ سَنَد من الْعقل، وخاصة الاشعار الَّتِى تبدو عَلَيْهَا الصّفة والتكلف، والاخبار الاسطورية الَّتِى لَا تناسب يقظة البشرية وارتقاءها، وَلَيْسَ جَانب السَّنَد هُوَ الذى يهمنا فِي الْخَبَر فَحسب، بل يطْلب أَن يكون الْمَتْن أَيْضا منتسبا إِلَى الْحَقِيقَة بَعيدا عَن التزوير.
وَقد نقد ابْن خلدون، وَهُوَ الامام الْحجَّة، كثيرا من الاخبار بِهَذَا الْمنْهَج، مَنْهَج الاستبعاد الْعقلِيّ وَبَيَان مُنَافَاة الْخَبَر للسنن الكونية والظروف التاريخية، كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِك فِي أول مقدمته.
وَلم أر فَائِدَة فِي تَخْرِيج الاخبار، أَي ذكر أَمَاكِن وجودهَا فِي الْكتب، إِذْ أَن أَكثر أَخْبَار السِّيرَة مُشْتَرك بَين الْكتب الَّتِى تتناولها، فَلَا يُفِيد الْقَارئ أَن نذْكر أَن هَذَا الْخَبَر مثلا مَوْجُود فِي سيرة ابْن هِشَام وتاريخ الطَّبَرِيّ وَشرح الْمَوَاهِب والشفاء وَالرَّوْض الانف وَدَلَائِل النُّبُوَّة لابي نعيم وعيون الاثر والاكتفا للكلاعي والوفا لِابْنِ الجوزى والسيرة الحلبية وَمَا إِلَى ذَلِك من كتب السِّيرَة بالاضافة إِلَى مَا يُمكن أَن يُوجد فِيهِ الْخَبَر من كتب الحَدِيث، وفى كل ذَلِك نذْكر أرقام الصفحات، إِن ذَلِك كَانَ يملا حيزا كَبِيرا لَا حَاجَة
وَاسْتِئْصَالِ أَهْلِهَا وَقَطْعِ نَخْلِهَا، فَجَمَعَ لَهُ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ وَرَئِيسُهُمْ عَمْرُو بْنُ طَلَّةَ (1) أَخُو بَنِي النَّجَّارِ ثُمَّ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ، وَاسْمُ مَبْذُولٍ عَامِرُ بْنُ مَالِكِ ابْن النَّجَّارِ، وَاسْمُ النَّجَّارِ تَيْمُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ.
وَقَالَ ابْنُ هِشَام: عَمْرو بن طلة (1) هُوَ عَمْرُو بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَطَلَّةُ أُمُّهُ، وَهِيَ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ الْخَزْرَجِيَّةُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، يُقَالَ لَهُ أَحْمَرُ، عَدَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ تُبَّعٍ وَجَدَهُ يَجُدُّ عَذْقًا لَهُ فَضَرَبَهُ بِمِنْجَلِهِ فَقَتَلَهُ وَقَالَ: إِنَّمَا التَّمْرُ لِمَنْ أَبَّرَهُ.
فَزَادَ ذَلِكَ تُبَّعًا حَنَقًا عَلَيْهِمْ فَاقْتَتَلُوا.
فَتَزْعُمُ الْأَنْصَارُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُقَاتِلُونَهُ بِالنَّهَارِ وَيُقْرُونَهُ بِاللَّيْلِ، فَيُعْجِبُهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَيَقُولُ: وَاللَّهِ إِنَّ قَوْمَنَا لِكِرَامٌ! وَحَكَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْأَنْصَارِ أَنَّ تُبَّعًا إِنَّمَا كَانَ حَنَقُهُ على الْيَهُود وَأَنَّهُمْ (2) مَنَعُوهُمْ مِنْهُ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَيُقَالُ إِنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ لِنُصْرَةِ الْأَنْصَارِ أَبْنَاءِ عَمِّهِ عَلَى الْيَهُودِ الَّذِينَ نَزَلُوا عِنْدَهُمْ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى شُرُوطٍ فَلَمْ يَفُوا بِهَا وَاسْتَطَالُوا عَلَيْهِمْ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَبَيْنَا تُبَّعُ عَلَى ذَلِكَ من قِتَالهمْ إِذا جَاءَهُ حَبْرَانِ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ عَالِمَانِ رَاسِخَانِ، حِينَ سَمِعَا بِمَا يُرِيدُ من إهلاك الْمَدِينَة وَأَهْلهَا، فَقَالَا (3) لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ لَا تَفْعَلْ فَإِنَّكَ إِنْ أَبَيْتَ إِلَّا مَا تُرِيدُ حِيَلَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا وَلم نَأْمَن عَلَيْك
__________
(1) الاصل: طَلْحَة وَهُوَ خطأ (2) المطبوعة أَنهم.
(3) المطبوعة: فَقَالُوا.
(*)
الصفحة 19
536