كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 1)
إِلَيْهِ، ويكفى أَن يعلم الْقَارئ أَن أَكثر أَخْبَار السِّيرَة النَّبَوِيَّة وَمَا قبلهَا من فَتْرَة الْجَاهِلِيَّة مُشْتَرك بَين هَذِه الْكتب الَّتِى ذَكرنَاهَا وَغَيرهَا من كتب الحَدِيث والسيرة.
إِن الذى عنيت بِهِ هُوَ أَن تخرج هَذِه السِّيرَة الْكَرِيمَة مضبوطة بريئة من التحريف والتشويه الذى كَانَ يُحِيط بهَا فِي طبعة الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة، وَأَن أشرح مَا يحْتَاج إِلَى الشَّرْح من الْمُفْردَات وَأَن أُشير إِلَى مَا أصلحته من أخطاء، وَمَا عثرت عَلَيْهِ من أهم الفروق، وَأَن أنبه إِلَى مَا يستبعد من الاخبار.
وَلَا أزعم أَنى أدّيت كل مَا يجب على فِي إِخْرَاج هَذ الْكتاب، وَلَكِنِّي بذلت مَا أمكن حسب الطَّاقَة والظرف.
وإنى الْيَوْم وَأَنا أقدم الْجُزْء الاول من هَذِه السِّيرَة، أخْلص النِّيَّة فِي بذل مَا يُمكن فِي سَبِيل إِخْرَاج بقيتها فِي أقرب ثوب إِلَى الصِّحَّة والكمال.
إِن الظروف الَّتِى طبع فِيهَا هَذَا الْجُزْء، وَلم أكن فِيهَا قَرِيبا من المطبعة، بل اضطرتني ظروف الْعَمَل إِلَى أَن أكون بَعيدا عَنْهَا، قد جعلت فرْصَة لوُقُوع بعض الاخطاء الَّتِى
تداركتها فِي آخر الْكتاب، وَبَعضهَا مطبعى بحت، وَالْآخر سَهْو وَنقص، وَمِنْهَا قسم هُوَ من أخطاء أصُول الْكتاب تبينته من المراجع ونبهت إِلَيْهِ حَتَّى يكون الْقَارئ على بَصِيرَة من أمره.
وحسبي فِي هَذَا الْعَمَل نيتى وقصدي، وَلكُل امْرِئ مَا نوى ... راجيا من الله سُبْحَانَهُ أَن ينفع بِهِ وَأَن يُهَيِّئ لى إِتْمَامه بِمَا يرضيه، إِنَّه واهب الرشد ومانح التَّوْفِيق، لَهُ الْحَمد فِي الاولى وَالْآخِرَة، نعم الْمولى وَنعم النصير.
الْقَاهِرَة 23 من ذى الْحجَّة سنة 1383 5 من مايو سنة 1964 مصطفى عبد الْوَاحِد
عَاجِلَ (1) الْعُقُوبَةِ.
فَقَالَ لَهُمَا وَلِمَ ذَلِكَ؟ قَالَا هِيَ مُهَاجَرُ نَبِيٍّ يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْحَرَمِ مِنْ قُرَيْشٍ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، تَكُونُ دَارَهُ وقراره.
فتناهى [عَن ذَلِك] وَرَأَى أَنَّ لَهُمَا عِلْمًا وَأَعْجَبَهُ مَا سَمِعَ مِنْهُمَا، فَانْصَرَفَ عَنِ الْمَدِينَةِ وَاتَّبَعَهُمَا عَلَى دِينِهِمَا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ تُبَّعٌ وَقَوْمُهُ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا، فَتَوَجَّهَ إِلَى مَكَّةَ وَهِيَ طَرِيقُهُ إِلَى الْيَمَنِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَأَمَجٍ (2) أَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ هُذَيْلِ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نزار بن مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ، فَقَالُوا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَلَا نَدُلُّكَ عَلَى بَيْتِ
مَالٍ دَاثِرٍ أَغْفَلَتْهُ الْمُلُوكُ قَبْلَكَ، فِيهِ اللُّؤْلُؤُ وَالزَّبَرْجَدُ وَالْيَاقُوتُ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ؟ قَالَ: بَلَى.
قَالُوا: بَيْتٌ بِمَكَّةَ يَعْبُدُهُ أَهْلُهُ وَيُصَلُّونَ عِنْدَهُ.
وَإِنَّمَا أَرَادَ الْهُذَلِيُّونَ هَلَاكَهُ بِذَلِكَ لَمَّا عَرَفُوا مِنْ هَلَاكِ مَنْ أَرَادَهُ من الْمُلُوك وبغى عِنْدَهُ فَلَمَّا أَجْمَعَ لِمَا قَالُوا أَرْسَلَ إِلَى الْحَبْرَيْنِ فَسَأَلَهُمَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَا لَهُ: مَا أَرَادَ الْقَوْمُ إِلَّا هَلَاكَكَ وَهَلَاكَ جُنْدَكَ، مَا نعلم بَيْتا لله عزوجل اتَّخَذَهُ فِي الْأَرْضِ لِنَفْسِهِ غَيْرَهُ، وَلَئِنْ فَعَلْتَ مَا دَعَوْكَ إِلَيْهِ لَتَهْلِكَنَّ وَلَيَهْلِكَنَّ مَنْ مَعَكَ جَمِيعًا.
قَالَ: فَمَاذَا تَأْمُرَانِنِي أَنْ أَصْنَعَ إِذَا أَنَا قَدِمْتُ عَلَيْهِ؟ قَالَا: تَصْنَعُ عِنْدَهُ مَا يَصْنَعُ أَهْلُهُ، تَطُوفُ بِهِ وَتُعَظِّمُهُ وَتُكْرِمُهُ، وَتَحْلِقُ رَأْسَكَ عِنْدَهُ وتذلل لَهُ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ عِنْدِهِ.
قَالَ فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْتُمَا مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَا: أَمَا وَاللَّهِ إِنَّهُ لَبَيْتُ أَبِينَا ابْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِنَّهُ لَكَمَا أَخْبَرْنَاكَ، وَلَكِنَّ أَهْلَهُ حَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بِالْأَوْثَانِ الَّتِي.
نَصَبُوهَا حَوْلَهُ وَبِالدِّمَاءِ الَّتِي يُهْرِيقُونَ عِنْدَهُ، وَهُمْ نَجَسٌ أَهْلُ شِرْكٍ.
أَوْ كَمَا قَالَا لَهُ.
__________
(1) المطبوعة: جلّ، وَهُوَ تَحْرِيف.
(2) عسفان: منهلة من مناهل الطَّرِيق بَين الْجحْفَة وَمَكَّة.
وأمج: بلد من أَعْرَاض الْمَدِينَة.
(*)
الصفحة 20
536