كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 1)
ذِكْرُ إِسْلَامِ ضِمَادٍ
رَوَى مُسْلِمٌ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَمْرِو بن سعيد، عَن سعيد
ابْن جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ: قَدِمَ ضِمَادٌ مَكَّةَ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَزِدِ شَنُوءَةَ، وَكَانَ يرقى من هَذِه الرِّيَاح، فَسمع سُفَهَاء من سفه مَكَّة يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ.
فَقَالَ: أَيْنَ هَذَا الرَّجُلُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَهُ عَلَى يَدَيَّ؟ فَلَقِيتُ مُحَمَّدًا فَقُلْتُ: إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيَاحِ، وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي عَلَى يَدَيَّ مَنْ شَاءَ، فَهَلُمَّ.
فَقَالَ مُحَمَّدٌ: " إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ".
فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سُمِعْتُ مِثْلَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، فَهَلُمَّ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ.
فَبَايَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: وَعَلَى قَوْمِكَ؟ فَقَالَ: وَعَلَى قَوْمِي.
فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم جَيْشًا فَمَرُّوا بِقَوْمِ ضِمَادٍ.
فَقَالَ صَاحِبُ الْجَيْشِ لِلسَّرِيَّةِ: هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ شَيْئًا؟ فَقَالَ رجل مِنْهُم: أصبت مِنْهُم مظهرة (1) .
فَقَالَ رُدَّهَا عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ قَوْمُ ضِمَادٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ لَهُ ضِمَادٌ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ فَلَقَد بلغن قَامُوس (2) الْبَحْر.
__________
(1) الْمظهر: الْبَعِير الَّتِى أَتَت عَلَيْهِ الظهيرة وَهُوَ يرْعَى.
(2) قَامُوس الْبَحْر: أبعد مَوضِع فِيهِ غورا.
هَذَا وَالرِّوَايَة فِي الوفا: أعد على كلماتك هَؤُلَاءِ، فأعادهن عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّات.
فَقَالَ: لقد سَمِعت قَول الكهنة والسحرة وَالشعرَاء فَمَا سَمِعت مثل كلماتك هولاء وَلَقَد بلغت قَامُوس الْبَحْر.
(*)
الصفحة 452