كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 1)

جَرَتِ الرِّيَاحُ عَلَى مَحَلِّ دِيَارِهِمْ * فَكَأَنَّمَا كَانُوا على ميعاد وَأرى النَّعيم وكل مَا يُلْهَى بِهِ * يَوْمًا يَصِيرُ إِلَى بِلًى وَنَفَادِ قَالَ السُّهيْلي: الْخَوَرْنَقُ: قَصْرٌ بَنَاهُ النُّعْمَانُ الْأَكْبَرُ لِسَابُورَ لِيَكُونَ وَلَدُهُ فِيهِ عِنْدَهُ، وَبَنَاهُ رَجُلٌ يُقَالَ لَهُ سنمار فِي عشْرين سنة، وَلم ير بِنَاء أعجب مِنْهُ، فخشى أَنْ يَبْنِيَ لِغَيْرِهِ مِثْلَهُ، فَأَلْقَاهُ مِنْ أَعْلَاهُ فَقَتَلَهُ، فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الشَّاعِرُ: جَزَانِي، جَزَاهُ اللَّهُ شَرَّ جَزَائِهِ * جَزَاءَ سِنِمَّارَ وَمَا كَانَ ذَا ذَنْب سوى رضفه الْبُنْيَانَ عِشْرِينَ حَجَّةً * يَعُدُّ عَلَيْهِ بِالْقَرَامِدِ وَالسَّكْبِ (1) فَلَمَّا انْتَهَى الْبُنْيَانُ يَوْمًا تَمَامَهُ * وَآضَ كَمِثْلِ الطَّوْدِ وَالْبَاذِخِ الصَّعْبِ رَمَى بِسِنِمَّارَ عَلَى حُقِّ رَأْسِهِ * وَذَاكَ لَعَمْرُ اللَّهِ مِنْ أَقْبَحِ الْخَطْبِ قَالَ السُّهَيْلِيُّ: أَنْشَدَهُ الْجَاحِظُ فِي كِتَابِ الْحَيَوَانِ.
وَالسِّنِمَّارُ مِنْ أَسْمَاءِ الْقَمَرِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذِهِ الْبُيُوتَ كُلَّهَا هُدِمَتْ لَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ، جَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كُلِّ بَيْتٍ مِنْ هَذِهِ سَرَايَا تُخَرِّبُهُ، وَإِلَى تِلْكَ الاصنام من كسرهَا، حَتَّى لم لَمْ يَبْقَ لِلْكَعْبَةِ مَا يُضَاهِيهَا، وَعُبِدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ فِي مَوَاضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِه الثِّقَة.
__________
(1) القرامد: حِجَارَة لَهَا خروق تنضج ويبنى بهَا، والآجر، وَمَا طلى بِهِ كالزعفران والجص.
والسكب: النّحاس أَو الرصاص.
(*)

الصفحة 73