كتاب الممتع في شرح المقنع ت ابن دهيش ط 3 (اسم الجزء: 1)

وأما كونه انقطع على روايةٍ فلما روي «أن مشركاً جاء يلتمس من عمر مالاً فلم يعطه وقال: من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر». ولم ينقل عن عمر ولا عثمان ولا علي أنهم أعطوا شيئاً من ذلك.
ولأن الله تعالى أظهر الإسلام وقمع الشرك فلا حاجة إلى التأليف.
والأول هو المشهور في المذهب؛ لما تقدم من قوله تعالى: {والمؤلفة قلوبهم} [التوبة: 60] وسورة براءة آخر ما نزل، وروى قتادة في تفسيره «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي المؤلفة من الكفار من الزكاة لأنه كان يرجو إسلامهم منهم العباس بن مرداس والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن» (¬1).
وأما قول المصنف رحمه الله: وهم السادة ... إلى آخره؛ فبيان لأصناف المؤلفة قلوبهم وهم ضربان:
كفار ومسلمون، والكفار ضربان:
من يرجى إسلامه فيعطى لتقوى نيته في الإسلام وتميل نفسه إليه فيسلم «لأن النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة أعطى صفوان بن أمية الأمان واستنظره صفوان أربعة أشهر لينظر في أمره وخرج معه إلى حنين فلما أعطى العطايا قال صفوان: ما لي؟ فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى واد فيه إبل محملة. فقال: هذا لك. فقال صفوان: هذا عطاء من لا يخشى الفقر».
الضرب الثاني: من يخشى شره ويرجى بعطيته كف شره فيعطى لما روي عن ابن عباس «أن قوماً كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فإن أعطاهم مدحوا الإسلام وإن منعهم ذموا».
والمسلمون أربعة أضرب:
- قوم يرجى بعطيتهم قوة إيمانهم ومناصحتهم في الجهاد فيعطون كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عطاء سفيان والأقرع وعيينة (¬2).
¬__________
(¬1) أخرج البخاري في صحيحه عن أبي سعيد قال: «بعث علي رضي الله تعالى عنه وهو باليمن بِذَهَبيةٍ، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر: الأقْرَعُ بن حابِس الحنْظَلي، وعُيَيْنَة بن بدر الفَزَارِي، وعَلْقَمَة بن عُلاثَةَ العامِري، ثم أحد بني كِلاَب، وزَيد الخير الطَائِي، ثم أحد بني نَبْهَان، فغضبت قريش وقالوا: تعطي صَنَادِيدَ نجد وتدَعَنا، فقال: إني إنما فعلت ذلك لأَتَأَلَّفَهُم». (3166) 3: 1219 كتاب الأنبياء، باب قول الله عز وجل: {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية}.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1064) 2: 741 كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم.
(¬2) سبق ذكره قريباً.

الصفحة 776