كتاب ديوان الهذليين (اسم الجزء: 1)

وإذا المَنِيّةُ أَنشبت أظفارَها ... أَلْفَيْتَ كلَّ تميمةٍ لا تَنفَعُ
فالعينُ بَعْدَهُمُ كأنّ حِداقَها ... سُمِلَتْ بشَوْكٍ فهيَ عُورٌ تَدْمَعُ (¬1)
حتّى كأنّي للحوادثِ مَرْوَةٌ ... بصَفَا المُشَّرقِ كلَّ يومٍ تُقْرَعُ (¬2)
لا بدّ من تَلَفٍ مقيمٍ فانتظِرْ ... أبأرْضِ قَومِكَ أم بأخرى المَصَرع (¬3)
ولقد أَرَى أنّ البكاءَ سفاهةٌ ... ولسوف يُولَعُ بالبُكا من يُفْجَعُ
وليأتين عيك يومٌ مرةً ... يُبْكَى عليك مقنَّعا لا تسمعُ (¬4)
وتَجَلُّدِي للشامِتين أُرِيهِمُ ... أنِّي لرَيْبِ الدَّهْرِ لا أَتَضَعْضَعُ
والنفسُ راغِبةٌ إذا رَغَّبْتَها ... فإِذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تَقْنَعُ
كم من جميعِ الشَّمْلِ ملتئِم الهوى ... باتوا بعَيْشٍ ناعمٍ فتَصَدَّعوا (¬5)
¬__________
(¬1) الحداق: جمع حدقة بالتحريك، وهي واحدة، وإنما جمعها باعتبارها وما حولها. وروى في الأصل أيضًا "جفونها". وسملت، أي فقئت: وعور: جمع عوراء من العوّار بضم أوّله وتشديد ثانيه، وهو ما يصيب العين من رمد أو قذى، وكذلك العائر.
(¬2) المروة: حجر أبيض براق تقتدح منه النار. ويقال لمن كثرت مصائبه: قرعت مروته. والمشرّق: مسجد الخيف بمنى، وإنما خصه لكثرة مرور الناس به، فهم يقرعون حجارته بمرورهم. وروى أبو عبيدة "المشقر" بتقديم القاف، وهو سوق بالطائف.
(¬3) روى هذا البيت في المفضليات لمنمم بن نويرة من قصيدته التي أوّلها:
"صرمت زنيبة حبل من لا يقطع". وروايته فيه:
لا بد من تلف مصيب فانتظر ... أبأرض قومك أم بأخرى تصرع
(¬4) روى هذا البيت أيضًا في المفضليات لمنمم بن نويرة من قصيدته المشار إليها في الحاشية السابقة.
"ومقنعا"، أي ملففا بأكفانك.
(¬5) ورد هذا البيت والذي يليه في النسخة الأوربية لديوان أبي ذؤيب ضمن الملحق المشتمل على الأبيات المنحولة له والتي لم توجد في ديوانه.

الصفحة 3