كتاب مختصر تفسير ابن كثير (اسم الجزء: 1)
أحمد عن حذيفة بن اليمان قال غَابَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَلَمْ يَخْرُجْ، حَتَّى ظَنَنَّآ أَن لَّن يَخْرُجَ، فَلَمَّا خَرَجَ سَجَدَ سَجْدَةً، ظَنَنَّا أَنَّ نَفْسَهُ قَدْ قُبِضَتْ فِيهَا، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ قَالَ: " إِنَّ رَبِّي عزَّ وجلَّ اسْتَشَارَنِي فِي أُمَّتِي مَاذَا أَفْعَلُ بِهِمْ؟ فَقُلْتُ: مَا شئت يا رَبِّ هُمْ خَلْقُكَ وَعِبَادُكَ، فَاسْتَشَارَنِي الثَّانِيَةَ فَقُلْتُ له: كذلك، فقال لي: لَا أُخْزِيكَ فِي أُمَّتِكَ يَا مُحَمَّدُ، وَبَشَّرَنِي أَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي مَعِي سَبْعُونَ أَلْفًا مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا ليس عليهم حسبا، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَقَالَ: ادْعُ تُجَبْ وَسَلْ تعط، فقلت لرسوله: أو معطي ربي سؤلي؟ فقال: مَا أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ إِلَّا لِيُعْطِيَكَ، وَلَقَدْ أَعْطَانِي رَبِّي - وَلَا فَخْرَ - وَغَفَرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ. وَأَنَا أَمْشِي حَيًّا صحيحاً، وأعطاني أن لا تَجُوعَ أُمَّتِي وَلَا تُغْلَبَ، وَأَعْطَانِي الْكَوْثَرَ وَهُوَ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ يَسِيلُ فِي حَوْضِي، وَأَعْطَانِي الْعِزَّ، وَالنَّصْرَ، وَالرُّعْبَ يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْ أُمَّتِي شَهْرًا، وَأَعْطَانِي أَنِّي أَوَّلُ الْأَنْبِيَاءِ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَطَيَّبَ لِي وَلِأُمَّتِي الْغَنِيمَةَ، وَأَحَلَّ لَنَا كَثِيرًا مِمَّا شُدِّدَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا، وَلَمْ يَجْعَلْ علينا فِي الدين مِنْ حرج (الحديث وإن كان ضعيف السند ففي أحاديث الشفاعة ما يؤيده ويؤكده)
- 119 - قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
- 120 - للَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
يقول تعالى مجيباً لعبده ورسوله عيسى بن مريم عليه السلام فِيمَا أَنْهَاهُ إِلَيْهِ مِنَ التَّبَرِّي مِنَ النَّصَارَى الْمُلْحِدِينَ الْكَاذِبِينَ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ، وَمِنْ رَدِّ الْمَشِيئَةِ فِيهِمْ إِلَى رَبِّهِ عزَّ وجلَّ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ تَعَالَى: {هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصادقين صِدْقُهُمْ} قال ابن عباس: يَوْمَ يَنْفَعُ الْمُوَحِّدِينَ تَوْحِيدُهُمْ {لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً} أَيْ ماكثين فيهن لَا يَحُولُونَ وَلَا يَزُولُونَ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أكبر} وَسَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْآيَةِ مِنَ الْحَدِيثِ، وروى ابن أبي حاتم عن أنس مرفوعاً قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فيه: "ثم يتجلى لهم الرب جل جلاله فَيَقُولُ: سَلُونِي سَلُونِي أُعْطِكُمْ - قَالَ - فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَا فَيَقُولُ: رِضَايَ أُحِلُّكُمْ دَارِي، وَأَنَالُكُمْ كَرَامَتِي، فَسَلُونِي أُعْطِكُمْ فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَا - قَالَ فَيُشْهِدُهُمْ أَنَّهُ قَدْ رضي عنهم. سبحانه وتعالى"، {ذَلِكَ الفوز العظيم} أي هذا الْفَوْزُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا أَعْظَمُ مِنْهُ، كَمَا قال تعالى: {لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العاملون}، وكما قال: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون}. وقوله تعالى: {للَّهِ ملك السموات وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أَيْ هُوَ الْخَالِقُ لِلْأَشْيَاءِ الْمَالِكُ لَهَا، الْمُتَصَرِّفُ فِيهَا، الْقَادِرُ عَلَيْهَا، فَالْجَمِيعُ مِلْكُهُ وَتَحْتَ قهره وقدرته وفي مشئيته، فَلَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا وَزِيرَ وَلَا عَدِيلَ ولا والد ولا ولد ولا صاحبة، ولا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ. قَالَ ابْنُ وهب: آخر سورة أنزل سورة المائدة
الصفحة 566