كتاب تاريخ الإسلام ت بشار (اسم الجزء: 1)

قَالَ: يَا أَبَا قَتَادَةَ ائْتِنِي بِالْمَيْضَأَةِ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ: حُلَّ لِي غُمَرِي يَعْنِي قَدَحَهُ فَحَلَلْتُهُ، فَجَعَلَ يَصُبُّ فِيهِ وَيَسْقِي النَّاسَ، فَقَالَ: " أَحْسِنُوا الْمِلْءَ، فَكُلُّكُمْ سَيَصْدُرُ عَنْ رِيٍّ، " فَشَرِبَ القوم حتى لم يبق غيري ورسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَبَّ لِي فَقَالَ: اشْرَبْ، قُلْتُ: اشْرَبْ أَنْتَ يَا رَسُولَ الله، قَالَ: إِنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا، فَشَرِبْتُ ثُمَّ شَرِبَ بَعْدِي، وَبَقِيَ مِنَ الْمَيْضَأَةِ نَحْوٌ مِمَّا كَانَ فِيهَا، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثُمِائَةٍ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَسَمِعَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَأَنَا أُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: الْقَوْمُ أَعْلَمُ بِحَدِيثِهِمْ، انْظُرْ كَيْفَ تُحَدِّثُ فَإِنِّي أَحَدُ السَّبْعَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا فرغت قال: ما كنت أحب أَحْسَبُ أَنَّ أَحَدًا يَحْفَظُ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرِي. وَرَوَاهُ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ أَيْضًا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، قال: حَدَّثَنِي أَنَسٌ قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فبينا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَأَتَاهُ أعرابيّ فقال: يا رسول الله هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءَ قَزْعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهُمَا حَتَّى ثَارَتْ سَحَابَةٌ أَمْثَالُ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنِ المنبر حتى رأيت المطر يتحادر على لِحْيَتِهِ، فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِنَ الْغَدِ، وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ، حَتَّى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، فَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَقَالَ: " اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا "، فَمَا يُشِيرُ بِيَدَيْهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ، حَتَّى صَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ، وَسَالَ الوادي، وادي قناة شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ مِنَ النَّوَاحِي إِلَّا حَدَّثَ بِالْجُودِ. اتَّفَقَا عَلَيْهِ.
وَرَوَاهُ ثَابِتٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أنس.

الصفحة 701