كتاب لسان العرب (اسم الجزء: 1)
كِتَابه هَذَا الصِّحَاح للجوهري وحاشيته لِابْنِ بري، والتهذيب للأزهري، والمحكم لِابْنِ سَيّده، والجمهرة لِابْنِ دُرَيْد، وَالنِّهَايَة لِابْنِ الْأَثِير، وَغير ذَلِك، فَهُوَ يغنى عَن سَائِر كتب اللُّغَة، إِذْ هِيَ بجملتها لم تبلغ مِنْهَا مَا بلغه.
قَالَ الإِمَام مُحَمَّد بن الطّيب محشي الْقَامُوس: وَهُوَ عَجِيب فِي نقُوله وتهذيبه، وتنقيحه وترتيبه، إلا انه قَلِيل بِالنِّسْبَةِ لغيره من المصنفات المتداولة، وزاحم عصره صَاحب الْقَامُوس رحم الله الْجَمِيع انْتهى.
وَسبب قلته كبر حجمه وَتَطْوِيل عِبَارَته، فإنه ثَلَاثُونَ مجلدا، فالمادة الَّتِي تملأ فِي الْقَامُوس صفحة وَاحِدَة تملأ فِيهِ أَربع صفحات بل أَكثر، وَلِهَذَا عجزت طلبة الْعلم عَن تَحْصِيله وَالِانْتِفَاع بِهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ كتاب لُغَة، وَنَحْو، وَصرف، وَفقه، وأدب، وَشرح للْحَدِيث الشريف، وَتَفْسِير للقران الْكَرِيم، فَصدق عَلَيْهِ الْمثل: إِن من الْحسن لشقوة.
وَلَوْلَا أَن الله تبَارك وَتَعَالَى أودع فِيهِ سرا مَخْصُوصًا لما بَقِي إِلَى الْآن، بل كَانَ لحق بنظرائه من الْأُمَّهَات المطولة الَّتِي اغتالتها طوارق الْحدثَان: كالموعب لعيسى ابْن غَالب التياني، والبارع لأبي عَليّ القالي، وَالْجَامِع للقزاز، غَيرهَا مِمَّا لم يبْق لَهُ عين وَلَا أثر، إلا فِي ذكر اللغويين حِين ينوهون بِمن ألف فِي اللُّغَة وَأثر، فَالْحَمْد لله مولي النعم ومؤتي الهمم على أَن حفظه لنا مصونا من تعاقب الْأَحْوَال، وتناوب الْأَحْوَال، كَمَا نحمده على أَن ألهم فِي هَذِه الْأَيَّام سيدنَا الخديو الْمُعظم، الْعَزِيز ابْن الْعَزِيز ابْن الْعَزِيز مُحَمَّد توفيق الْمَحْمُود بَين الْعَرَب والعجم، والمحفوف بالتوفيق لكل صَلَاح جم، وفلاح عَم، إِلَى أَن يكون هَذَا الْكتاب الفريد بالطبع منشورا، ونفعه فِي جَمِيع الأقطار مَشْهُورا، بعد أَن كَانَ دهرا طَويلا كالكنز المدفون، والدر الْمكنون.
وَذَلِكَ بمساعي أَمِين دولته، وشاكر نعْمَته، الشهم الْهمام، الَّذِي ذاعت مآثره بَين الْأَنَام، وسرت محامده فِي الْآفَاق: حُسَيْن حسني بك نَاظر مطبعة بولاق، وهمة ذِي الْعَزْم المتين، وَالْفضل المكين، الراقي فِي معارج الْكَمَال إِلَى الأوج، الْعلم الْفَرد الَّذِي يفضل كل فَوْج، من إِذا ادلهم عَلَيْك أَمر يرشدك بصائب فكره ويهديك: حَضْرَة حُسَيْن أَفَنْدِي على الديك، فَإِنَّهُ حفظه الله شمر عَن ساعد الْجد حَتَّى احْتمل عبء هَذَا الْكتاب وبذل فِي تَحْصِيله نَفِيس مَاله، رَغْبَة فِي عُمُوم نَفعه، واغتناما لجميل الثَّنَاء وجزيل الثَّوَاب.
فدونك كتابا علا بقدمه على هام السها، وغازل أَفْئِدَة البلغاء مغازلة ندمان الصفاء عُيُون المها، ورد علينا أنموذجه، فَإِذا هُوَ يَتِيم اللُّؤْلُؤ منضد فِي سموط النضار، يروق نظيمه الْأَلْبَاب ويبهج نثيره الأنظار، بلغ، من حسن الطَّبْع وجماله، مَا شهرته ورؤيته تغنيك عَن الإطراء.
وَمن جيد الصِّحَّة مَا قَامَ بِهِ الجم الْغَفِير من جهابذة النجباء، جمعُوا لَهُ، على مَا بلغنَا، شوارد النّسخ الْمُعْتَبرَة والمحتاج إِلَيْهِ من الْموَاد، وعثروا، أثْنَاء ذَلِك، على نُسْخَة منسوبة للمؤلف، فبلغوا من مقصودهم المُرَاد.
وجلبوا غير ذَلِك، من خَزَائِن الْمُلُوك وَمن كل فج، وأنجدوا فِي تَصْحِيح فرائده، وأتهموا وانتجعوا، فِي تطبيق شواهده، كل منتجع، وتيمموا حَتَّى بلغُوا أقاصي الشَّام وَالْعراق وَوَج.
أعانهم الله على صنيعهم حَتَّى يصل إِلَى حد الْكَمَال، وَأتم لَهُم نسيجهم على أحكم منوال، وجزى الله حَضْرَة نَاظر هم أحسن الْجَزَاء، وشكره على حسن مساعيه وحباه جميل الحباء، فَإِن هَذِه نعْمَة كبرى على جَمِيع الْمُسلمين، يجب أَن يقابلوها بالشكر وَالدُّعَاء على ممر السنين، كلما تلوا: إِن الله يحب الْمُحْسِنِينَ، وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيد الْمُرْسلين.
فِي 17 رَجَب الْمُعظم سنة 1300
كتبه الْفَقِير إِلَى ربه الْوَاهِب
أحْمَد فَارس صَاحب الجوائب
الصفحة 6
809