كتاب تفسير العثيمين: النساء (اسم الجزء: 1)

نصب، والهاء للتنبيه، والناس: نعت لـ "أي"، أو عطف بيان، فهي مبنية على الضم في محل نصب.
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ} وجّه الله الخطاب للناس، مع أن السورة مدنية؛ وذلك لبيان أن رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - عامة لجميع الناس، و {النَّاسُ} قيل: إن أصلها أناس، وقد حذفت الهمزة لكثرة الإستعمال تخفيفًا، كما حذفت الهمزة من "شر" و"خير"، وأصلها: أشر وأخير، تقول: هذا خير من هذا؛ أي: أخير منه، وهذا شر من هذا؛ أي: أشر منه، لكن حذفت الهمزة تخفيفًا لكثرة الإستعمال.
وهو مشتق من الأُنس؛ لأن البشر كما يقال عنهم: مدنيون بالطبع، يحتاجون إلى أن يأنس بعضهم ببعض، ولهذا لا يوجد أحد تحبب إليه الخلوة إلا لسبب خارج عما جبل الله عليه الناس.
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} التقوى مأخوذة من الوقاية، وهي أن يتخذ الإنسان وقاية من عذاب الله، بفعل أوامره واجتناب نواهيه، والرب في قوله: {رَبَّكُم} هو الخالق المالك المدبر، فهو متضمن لهذه المعاني الثلاثة: خالق؛ أي: موجد من العلم، ومالك؛ أي: لا يشركه أحد في ملكه، ومدبر؛ أي: للأمور على ما تقتضيه حكمته.
{الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} الذي: صفة للرب، ولكنها صفة كاشفة، ومعنى قولنا: (كاشفة)؛ أي: موضحة لهذه الربوبية أو لبعض معانيها، واحترزنا بكلمة (كاشفة) عن كونها مقيدة؛ لأننا لو جعلناها مقيدة، لكان هناك ربان: رب خلقنا من نفس واحدة، ورب لم يخلقنا من نفس واحدة، وليس الأمر كذلك، بل الذي

الصفحة 12