كتاب تراجم المؤلفين التونسيين (اسم الجزء: 1)

فقلت له: يا سيدي أعوذ بالله من سريان الوهم إلى هذا الحد، وعاهدته بما أرضاه. ثم أخذت في أسباب الرحلة وودعته فدعا لي بخير وزودني بخمسين دينارا ذهبيا، وركبت البحر منصرفا إلى بلدي مدينة ميورقة فأقمت بها ستة اشهر، ثم سافرت منها إلى جزيرة صقلية وأقمت بها خمسة أشهر وأنا أنتظر مركبا يتوجه لأرض المسلمين فحضر مركب يسافر إلى مدينة تونس، فسافرت فيه من صقلية، وأقلعنا. عنها قرب مغيب الشقق، فوردنا مرسى تونس قرب الزوال بحكم الله تعالى، فلما أنزلنا بديوان تونس وسمع بي الذين بها من النصارى أتوا بمركوب حملوني معهم إلى ديارهم وصحبتهم بعض التجار الساكنين أيضا بتونس فأقمت عندهم في ضيافتهم على أرغد عيش أربعة أشهر، وبعد ذلك سألتهم هل بدار السلطنة أحد يحفظ لسان النصارى، وكان السلطان إذ ذاك مولانا أبو العباس أحمد - رحمه الله - فذكروا لي أن بدار السلطان المذكور رجلا فاضلا من كبار خواصه اسمه يوسف الطبيب وكان طبيبه ومن خواصه ففرحت بذلك فرحا شديدا وسألت عن مسكن هذا الرجل الطبيب فدللت عليه واجتمعت به وذكرت له شرح حالي وسبب قدومي للدخول في دين الإسلام وأني أرغب أن يكون ذلك على يديه فسر الرجل بذلك سرورا عظيما ثم ركب فرسه وأحتملني معه إلى دار السلطان، ودخل عليه فأخبره بحديثي. وأستأذنه عليّ فتمثلت بين يديه، فأول ما سألني السلطان عن عمري فقلت له خمسة وثلاثون سنة ثم سألني كذلك عما قرأت من العلوم فأخبرته، فقال لي: قدمت خير مقدم فأسلم على بركة الله تعالى فقلت للترجمان - هو الطبيب المرقوم -: إنه لا يخرج أحد من دين إلاّ ويكثر أهله القول فيه والطعن عليه فأرغب من إحسانكم إلى الذين بحضرتكم من تجار النصارى وأجنادهم وأختارهم وتسألوهم عني وتسمع ما يقولونه في حقي، وحينئذ أسلم.
فقال لي بواسطة الترجمان أنت طلبت كما طلب عبد الله بن سلام من النبي - صلّى الله عليه وسلم - حين أسلم. ثم أرسل إلى أجناد النصارى وبعض تجارهم وأدخلني في بيت قريب من مجلسه فلما دخل النصارى عليه قال لهم: ما تقولون في هذا القسيس الجديد الذي قدم في هذا المركب قالوا: يا مولانا هو عالم كبير في ديننا، وقال شيوخنا أنهم ما رأوا أعلى منه درجة في العلم والدين في ديننا.
فقال لهم: وما تقولون فيه إذا أسلم؟
فقالوا: نعوذ بالله من ذلك وهو ما يفعل هذا أبدا.
فلما سمع ما عند النصارى بعث إليّ فحضرت بين يديه وتشهدت بشهادة الحق بمحضر النصارى فصلبوا على وجوههم وقالوا: ما محمله على هذا إلاّ حب التزويج فإن القسيس عندنا لا يتزوج فخرجوا مكروبين محزونين، فرتب لي السلطان - رحمه الله - كل يوم ربع دينار، وأسكنني في دار المختص وزوجني بنت الحاج محمد الصفار، فلما عزمت على البناء بها أعطاني مائة دينار ذهبا وكسوة جديدة كاملة فابتنيت بها وولد لي منها ولد سميته محمدا

الصفحة 170