كتاب تراجم المؤلفين التونسيين (اسم الجزء: 1)

تعبيره وفصاحة منطقه وقوة عارضته ومقدرته على تحليل المواضيع استرسالا بلا ملل ولا فتور، وبدأ الناس يلتقطون من كلامه سقطات في مسائل الخلاف بين الصحابة والأولياء والكرامات، ويشيعونها على وجهها أو على غير وجهها حتى بلغت اسماع كبار الشيوخ الناقمين على التطور فأثارهم ثورة أدمجت الخلدونية و [مجلّة] المنار والثعالبي، وتقدمت دعوة إلى النيابة العمومية، وجرت المرافعات، والرعاع يترصدون الثعالبي في ذهابه إلى المحكمة ورجوعه يهاجمونه بالسب والأذى، ثم حكم عليه بالسجن، فكان أول مظهر لتمييز الحركة الجديدة وإقامة الفوارق بين مناهج التفكير السابقة وكان ذلك عاملا على تكوين عطف الكثيرين عليه وتقوت الحركة الإصلاحية به وبنكبته».
وفي سنة 1328/ 1910 أسس جمعية تمثيلية اسمها جمعية الآداب، ثم أسس جمعية أخرى «جمعية الشهامة العربية».في سنة 1903، زار الجزائر والمغرب ورجع إلى تونس سنة 1904، ولم يتردد في مهاجمة الأولياء في الأماكن العامة، وهذا الموقف حاكمته من أجله محكمة الدريبة بشهر سجنا، وبعد خروجه من السجن التحق بحزب الشباب التونسي الذي كان في حالة تكوين، ولم يلبث أن أصبح من أعضائه الأكثر نشاطا.
وعند رجوعه من المشرق كان الجو السائد في البلاد لدى القادة والصحفيين هو التنويه بمهمة فرنسا التمدينية في البلاد، وتقديم المطالب إلى السلطة الاستعمارية في استحياء وتذلل، فبدل المترجم له اللهجة فكان طالب حق قوي اللهجة لا تملق فيها ولا استخذاء، ولنعلم أسلوب القادة إذ ذاك - في مخاطبة الاستعمار لنرجع إلى ما قاله الأستاذ البشير صفر في سنة 1906 في الاحتفال بمناسبة تدشين التكية بمحضر المقيم العام، فقد أشاد بعمل فرنسا التمديني، ولمح في استحياء إلى ضرورة إجراء الإصلاحات الكفيلة بتخفيف بؤس الشعب التونسي مع أن الشعب بلغ في تلك الفترة حدا كبيرا من البؤس والفاقة، وقد اعتبر هذا الخطاب ضربا من الجرأة فلقي تأييدا من المهتمين بالسياسة كما هاجمته هجوما عنيفا جريدة «تونس الفرنسية» لسان حال المعمرين دعاة التفرنس والإدماج.
والإشادة بعمل فرنسا التمديني لم يسلم منها المرموقون من زعماء تلك الفترة مثل علي باش حانبة الذي أصدر سنة 1907 جريدة «التونسي» وهي فرنسية اللسان، فقد كتب في افتتاحيتها الأولى ما يلي «لقد بدأ عمل فرنسا التمديني يأتي أكله في تونس، فهنالك جيل جديد تثقف باللغة الفرنسية، وأنطبع بأفكارها الكريمة بدأ اليوم يأخذ مكانه في التجديد القائم، وهو إيمانا بهذا المبدأ ينشئ جريدة التونسي. يلي ذلك عرض للمطالب التونسية وهو إعادة لما نادى به البشير صفر في خطابه ونصفه مدائح لفرنسا «نرجو أن تعمد فرنسا انسجاما مع تقاليدها ومثلها العليا الديمقراطية أن تمنح التعليم المجاني الابتدائي» وبالحاح من صاحب الترجمة صدرت نشرة عربية عن جريدة «التونسي» سميت «الاتحاد الإسلامي» تولى تحريرها بنفسه.

الصفحة 214