كتاب التفسير الحديث (اسم الجزء: 1)

6- إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ الزخرف: [3] .
مما يدعم النقطة التي قررناها. وكذلك مما يدعمها أن القرآن وصف غير العربية بالأعجمية كما ترى فيما يلي:
1- وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ النحل: [103] .
2- وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ فصلت:
[44] .
بحيث يستفاد من ذلك أن العربية كانت حينما تطلق تشمل لغة العرب جميعهم، وأنه لم يكن للعرب جميعهم لغة غير اللغة التي نزل بها القرآن وأن لغة قريش التي هي لسان النبي الذي ذكر القرآن أن الله قد يسّر القرآن به أي لغته كانت هي لغة العرب جميعهم.
وثانيا: - إن ما قلناه من أن كل كلمة في القرآن كانت مفهومة من العرب على حقيقة مداها ومعناها لا يقتضي أن يكون مناقضا لما هو طبيعي فرضا وواقعا وبديهة من وجود كلمات فيه لا يفهم مداها ومعناها إلا الفئات الخبيرة النيرة منهم بل ومن وجود كلمات قد لا يكون سمعها أو قد يجهلها بعض أفراد من هذه الفئات نفسها، ومن وجود أفراد قليلين أو كثيرين أو قبائل برمتها تجهل المعنى الحرفي لقليل أو كثير من مفردات القرآن بل ومن بعض تعابيره كذلك. وهذه الظاهرة مشاهدة ملموسة في كل ظرف وقطر ومن كل فئة بما فيها الفئات المتعلمة ومع ذلك فمن المشاهد الملموس أن الناس على اختلاف فئاتهم وثقافاتهم وخاصة أواسطهم لا يعيبهم أن يفهموا ما يقرأونه من رسائل وكتب وصحف ويسمعونه من خطب وإذاعات. وطبيعي أن العرب في عصر النبي وعهد بعثته لم يكونوا ليخرجوا عن نطاق هذه الظاهرة، وإذا روي عن بعض الصحابة جهلهم لمعنى كلمة من الكلمات القرآنية فلا يكون في ذلك غرابة ما بقطع النظر عن صحة الرواية متنا وسندا.

الصفحة 156