كتاب التفسير الحديث (اسم الجزء: 1)

بدء الوحي وقد أوردناه في الفصل الأول صراحة بمعرفة ورقة بن نوفل اللغة العبرانية واطلاعه على التوراة والإنجيل.
فليس مما يصح فرضه أن لا يكون من العرب السامعين للقرآن من يعرف هاتين القصتين. ومثل هذا يقال بالنسبة لقصة مريم التي ورد في بعض الأناجيل شيء قريب مما ورد عنها في القرآن وفي بدء قصة يوسف آية هذا نصها:
لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ [7] والسؤال عن أمرهم لا بدّ من أن يكون آتيا من معرفة شيء ما أو سماع شيء ما عنهم من دون ريب.
لذلك فإن في الآيات الثلاث المذكورة إشكالا يدعو إلى الحيرة، ولا يستطاع النفوذ إلى الحكمة الربانية فيه نفوذا تاما. وليس من مناص إزاء الواقع ومداه من أن قصص نوح ويوسف ومريم من القصص المشهورة إلا بتأويل هذه الآيات وتخريجها بما يزيل الإشكال ويتسق مع الواقع. وقد رأينا المفسر الخازن يعلق على آية هود فيقول إن قصة نوح مشهورة وإنه ليس مما يحتمل أن لا تكون معروفة، وإنه يجب صرف الآية على محمل قصد عدم معرفة النبي وقومه بجميع تفصيلاتها. وفي هذا التعليق وجاهة ظاهرة كما أنه لا معدى عنه أو عن ما يقاربه كصرف الغيب إلى معنى البعيد غير المشاهد أو الذي صار في طيات الدهر في صدد القصص التي وردت عقبها خاصة هذه الآيات. وننبه على أن بقية الفصول القصصية في سورتي هود وآل عمران، وكذلك الفصول القصصية المتنوعة الواردة في مختلف السور بما في ذلك قصص نوح ومريم ويوسف لم يرد فيها مثل هذا التعليق والتقييد، وأن قصة نوح ذكرت بتفصيل أو اقتضاب مرات كثيرة في السور التي نزلت قبل سورة هود مثل ص والأعراف والقمر والشعراء، وأن قصة مريم وولادة عيسى ذكرت بتفصيل أيضا في سورة مريم التي نزلت هي الأخرى قبل سورة آل عمران وأشير إليها باقتضاب في سور متعددة أخرى ولم يرد كذلك في سياقها مثل هذا التعليق والتقييد مما يجعل التأويل والتخريج سائغا وصوابا.
ولعل مما يحسن إيراده في صدد قصة نوح مسألة أصنام قوم نوح المذكورة

الصفحة 167