كتاب نيل الأوطار (اسم الجزء: 1)

150 - (وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ جُمَّةٌ ضَخْمَةٌ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُ أَنْ يُحْسِنَ إلَيْهَا وَأَنْ يَتَرَجَّلَ كُلَّ يَوْمٍ» ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً كَذَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ. وَفَسَّرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِأَنْ يَسْرَحَهُ يَوْمَا وَيَدَعَهُ يَوْمًا وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَأَصْلُ الْغِبِّ فِي إيرَادِ الْإِبِلِ أَنْ تَرِدَ الْمَاءَ يَوْمًا وَتَدَعَهُ يَوْمًا.
وَفِي الْقَامُوسِ الْغِبُّ فِي الزِّيَارَةِ أَنْ تَكُونَ كُلَّ أُسْبُوعٍ وَمِنْ الْحُمَّى مَا تَأْخُذُ يَوْمًا وَتَدَعُ يَوْمًا. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الِاشْتِغَالِ بِالتَّرْجِيلِ فِي كُلِّ يَوْمٍ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ التَّرَفُّهِ.
وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنْهَانَا عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْإِرْفَاهِ وَفِي تَرْكِ التَّرْجِيلِ الْأَيَّامَ نَوْعٌ مِنْ الْبَذَاذَةِ» .
وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: «ذَكَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا عِنْدَهُ الدُّنْيَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَا تَسْمَعُونَ أَلَا تَسْمَعُونَ؟ إنَّ الْبَذَاذَةَ مِنْ الْإِيمَانِ إنَّ الْبَذَاذَةَ مِنْ الْإِيمَانِ» .
قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ: إنَّ الْبَذَاذَةَ التَّقَحُّلُ.
وَفِي النِّهَايَةِ قَحَلَ إذَا الْتَزَقَ جِلْدُهُ بِعَظْمِهِ مِنْ الْهُزَالِ وَالْبِلَى انْتَهَى. وَالْإِرْفَاهُ الِاسْتِكْثَارُ مِنْ الزِّينَةِ وَأَنْ لَا يَزَالَ يُهَيِّئُ نَفْسَهُ وَأَصْلُهُ مِنْ الرَّفَهِ وَهُوَ أَنْ تَرِدَ الْإِبِلُ الْمَاءَ كُلَّ يَوْمٍ فَإِذَا وَرَدَتْ يَوْمًا وَلَمْ تَرِدْ يَوْمًا فَذَلِكَ الْغِبُّ قَالَهُ الْخَطَّابِيِّ فِي الْمَعَالِمِ، وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّحْدِيثِ بَلْ عَنْعَنَ وَفِيهِ مَقَالٌ مَشْهُورٌ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ النَّمَرِيُّ: إنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَافًا سَقَطَ مَعَهُ الِاحْتِجَاجُ وَلَمْ يَصِحَّ مِنْ جِهَة الْإِسْنَادِ.
150 - (وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ جُمَّةٌ ضَخْمَةٌ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُ أَنْ يُحْسِنَ إلَيْهَا وَأَنْ يَتَرَجَّلَ كُلَّ يَوْمٍ» ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ) . الْحَدِيثُ رِجَالُ إسْنَادِهِ كُلُّهُمْ رِجَالُ الصَّحِيحِ.
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي جُمَّةً أَفَأُرَجِّلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ وَأَكْرِمْهَا» فَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ رُبَّمَا دَهَنَهَا فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ مِنْ أَجْلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (نَعَمْ وَأَكْرِمْهَا) . وَعَلَى هَذَا فَلَا يُعَارِضُ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ فِي النَّهْيِ عَنْ التَّرَجُّلِ إلَّا غِبًّا لِأَنَّ الْوَاقِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ مُجَرَّدُ الْإِذْنِ بِالتَّرْجِيلِ وَالْإِكْرَامِ، وَفِعْلُ أَبِي قَتَادَةَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَالْوَاجِبُ حَمْلُ مُطْلَقِ الْأَمْرِ بِالتَّرْجِيلِ وَالْإِكْرَامِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، لَكِنَّ الْإِذْنَ بِالتَّرْجِيلِ كُلَّ يَوْمٍ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يُخَالِفُ مَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ التَّرْجِيلِ إلَّا غِبًّا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ وَجَبَ التَّرْجِيحُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْر حَدِيثُ إكْرَامِ الشَّعْرِ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا تَفْسِيرُ الْجُمَّةِ وَالتَّرْجِيلِ

الصفحة 159